بقلم – محمد عبدالظاهر
سألتُ صديق لي كان يعمل في خدمة العملاء في أحد البنوك عن طبيعة عمله الآن، وكيف اختلف عن العام 2019 بعد أن فقد وظيفته، فقال: ” أنا الآن أحسن حالًا وأوفر حظًا، حيث أعمل في خدمة العملاء لإحدى شركات صيانة الـ ” روبوت ” المتخصص في نظافة الحدائق العامة، حيث أعتني بالعشرات من ” الروبوت” أسبوعيًا، في التسجيل والصيانة وعمل الكشف الدوري لهم، والشركة تبحث عن موظفين جدد كل شهر”.. (حوار مستقبلي للعام 2050).
على عكس ما يرى الكثيرون من تراجع معدلات التوظيف البشرية في مواجهة النمو ” الآلي” وإحلال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة وأدوات الذكاء الاصطناعي محل الإنسان في العديد من الوظائف، هناك نمو كبير في فرص العمل، والطلب على بعض الوظائف البشرية على عكس الآن، بل هناك بلدان سوف تُعاني من نقص في العنصر البشري وتفتح الباب لاستقبال مهاجرين جدد من دول أخرى؛ لسد فجوة سوق العمل البشري لديها.
وإذا استطاعت الثورة الصناعية الرابعة أن تقضي على وظائف في أكثر من 4 قطاعات لن يكون عليها الطلب في المستقبل، سوف تفتح الباب أيضا لملايين الوظائف في أكثر من 14 قطاعا جديدا لم يكن لهم وجود من قبل.
الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى أكثر من 77 مليار دولار في العام 2022، وفقا لتقرير مؤسسة (IDC )، ومن متابعة حجم النمو المتسارع في هذا القطاع منذ العام 2015 يمكن القول أن خلال 10 أعوام من الآن قد يتزايد الإنفاق العالمي إلى ما يُقارب من تريليون دولار في العام 2030، وخاصة مع ضخ كُبرى الشركات العالمية ملايين الدولارات كاستثمارات في هذا المجال، ناهيك عن الحكومات التي بدأت في بناء مدن المستقبل القائمة على تقنيات الذكاء الصناعي وتكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة.
مفهوم الأتمتة أو التشغيل الآلي ليس بجديد – فقد سبق وأن حلت الآلات محل الأيدي العاملة البشرية بمعدل تدريجي منذ الثورة الصناعية الأولى والثانية والثالثة، حدث هذا من قبل في مجالات الزراعة والحرف الماهرة مثل حياكة اليد، ثم في التصنيع الضخم، وفي العقود الأخيرة، في العديد من المهام الكتابية، وفقا لتقرير”المنتدى الاقتصادي العالمي”، حيث تُشكل العوائد الكبيرة المترتبة على تلك التقنيات التكنولوجية وأدوات الثورة الصناعية الرابعة موردا جديد يتم تدويرها في الاقتصاد الدولي، وهو ما يتطلب خلق فرص عمل جديدة للبشرية، وبالتالي نمو الوظائف بشكل عام.
وهناك جانبا أخرا أكثر أهمية: حيث يعمل الذكاء الاصطناعي والتقنيات ذات الصلة على تعزيز النمو الاقتصادي العالمي؛ ومن ثم خلق العديد من فرص العمل الإضافية، تماماً مثلما قدمت موجات النمو التقني العالمية السابقة مثل اختراع المحركات البخارية إلى أجهزة الكمبيوتر، على وجه الخصوص، لذا من المتوقع أن تعزز أنظمة الروبوتات وحلول الذكاء الاصطناعي الإنتاجية، وتخفيض التكاليف، وتحسين جودة ونطاق المنتجات التي يمكن أن تنتجها الشركات، وفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وفقا لتقرير حول التنمية في العالم 2019 الصادر من البنك الدولي بعنوان (الطبيعة المتغيرة للعمل) أشار إلى أن عدد الروبوتات التي تعمل في جميع أنحاء العالم يرتفع سريعا، مما يُعزز المخاوف من فقدان الوظائف، لكن التكنولوجيا تتيح الفرص لخلق وظائف جديدة، وزيادة الإنتاجية، وتقديم خدمات عامة فعالة، فلا أساس للمخاوف المحيطة بالابتكار الذي بدّل بالفعل مستويات المعيشة، تحفز التكنولوجيا الرقمية الابتكار والنمو السريع، مما يؤدي لكسر أنماط الإنتاج القديمة وطمس الحدود بين الشركات، وتتطور نماذج الأعمال الجديدة مثل المنصات الرقمية بسرعة مذهلة من شركات ناشئة محلية إلى شركات عملاقة عالمية، توظف في كثير من الأحيان عددا قليلا من الموظفين وتمتلك القليل من الأصول المادية، تقوم أسواق المنصات الجديدة بربط الناس بسرعة أكبر من أي وقت مضى، ويوفر هذا “الحجم بدون كتلة” فرصا اقتصادية لملايين الأشخاص، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه،وتمثل الأسواق والوظائف الجديدة محركا لزيادة الطلب على الموظفين الذين يتمتعون بمهارات التواصل وحل المشاكل ويمكنهم العمل ضمن فريق، ويقلص التغيير التكنولوجي الوظائف المكتبية المتكررة ويعمل على استبدالها بأنواع جديدة من العمالة: في أوروبا وحدها، سيكون هناك ما يقدر بنحو 23 مليون وظيفة جديدة هذا القرن.
ولا تغير التكنولوجيا فقط الطريقة التي يعمل بها الناس ولكن أيضا الشروط التي يعملون وفقا لها، مما يخلق المزيد من الوظائف غير التقليدية و “الوظائف المؤقتة” قصيرة الأجل. ويجعل هذا الوضع بعض الوظائف أكثر مرونة وأكثر سهولة في الحصول عليها، لكنه يثير المخاوف بشأن عدم استقرار الدخل وغياب الحماية الاجتماعية.
الثورة الصناعية الرابعة سوف تعمل على خلق مجالات جديدة للعمل، لم توجد من قبل وجميعها مرتبطة بالتقنيات التي سوف تبتكرها تلك الثورة مثل: تحليلات البيانات الكبيرة للمستخدمين والشركات، أسواق التطبيقات والويب، إنترنت الأشياء، تقنية التعلم الآلي، الحوسبة السحابية، التجارة الرقمية، تكنولوجيا الواقع المعزز، تقنيات التشفير، تقنية المواد الجديدة، التقنيات القابلة للارتداء، سلسلة الكتل (بلوك تشين)، الطباعة ثلاثية الأبعاد، التنقل الذاتي، الروبوتات الثابتة، الحوسبة الكمية، الروبوتات الأرضية غير البشرية، التكنولوجيا الحيوية، روبوتات البشر، الروبوتات الجوية وتحت الماء.
لا عجب أنه خلال السنوات الخمس القادمة سوف يتم إدراج “النمو” في معدلات الذكاء الاصطناعي كمؤشر ضمن مؤشرات النمو الاقتصادي العالمي، وكذلك نصيب الفرد من تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة، جنبا إلى جنب مع معدلات الدخل القومي، والناتج الإجمالي المحلي، وحجم التضخم، وغيرها من المؤشرات التي تقيس قوة الدولة اقتصاديا.
Twitter: @mohamabdulzaher
Linkedin: @Mohamed Abdulzaher