دبي- مصادر نيوز
تحولت الانتفاضة السلمية ضد نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، التي اندلعت قبل عشر سنوات، إلى حرب أهلية واسعة النطاق. وخلف هذا الصراع أكثر من 380 ألف قتيل ودمر مدنا سورية وجر إليه دولا أخرى، وفقا لـBBC.
فكيف بدأت الحرب في سوريا؟
قبل اندلاع هذا الصراع، اشتكى كثير من السوريين من ارتفاع نسبة البطالة والفساد وغياب الحريات السياسية تحت حكم نظام بشار الأسد، الذي خلف حافظ الأسد في الحكم بعد وفاته عام 2000.
وفي مارس 2011، اندلعت الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في مدينة درعا جنوبي البلاد، متأثرة بانتفاضات مشابهة في دول المنطقة ضد حكامها المستبدين.
واستخدمت الحكومة السورية القوة لسحق هذه المظاهرات، وهو ما أجج المزيد من الاحتجاجات المطالبة بإقالة الرئيس في مناطق أخرى في أنحاء البلاد.
وانتشرت الاضطرابات في البلاد، واشتدت وطأة الأمن في سحق الاحتجاجات. ومع الوقت، حملت المعارضة السلاح للدفاع عن نفسها في المقام الأول، ولاحقا للتخلص من قوات الأمن في المناطق التي سيطرت عليها، وتعهد الأسد بسحق ما وصفه بـ “الإرهاب المدعوم من الخارج”.
وتصاعدت وتيرة العنف سريعا، وغرقت البلاد في الحرب الأهلية. وخرجت مئات المجموعات من المعارضة المسلحة، بحيث تحول الأمر سريعا لما هو أكبر من مجرد خلاف بين فريقين مع وضد الأسد.
وبدأت القوى الغربية في انتقاء الأطراف التي تدعمها بالمال والسلاح والمقاتلين. ومع تدهور الأحوال وانتشار الفوضى، ظهرت المنظمات الجهادية المتطرفة بأهدافها الخاصة، مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة. وزاد هذا الوضع من مخاوف المجتمع الدولي الذي يرى مثل هذه المنظمات تهديدا كبيرا.
وظهر بُعد جديد فرضه وجود الأكراد السوريين، الذي طالما أرادوا حكما ذاتيا، وإن كانوا لم يقاتلوا ضد قوات نظام الأسد.
كم عدد القتلى؟
وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جهة مراقبة مقرها المملكة المتحدة ولها مصادر على الأرض في سوريا، إجمالي عدد القتلى بحوالي 387,118 قتيل بحلول ديسمبر/كانون الأول 2020، من بينهم 116,911 مدني.
ولا تشمل هذه الحصيلة 205,300 شخصا آخرين، يقال إنهم مفقودون وفي عداد الموتى. من بين هؤلاء 88 ألف مدني يرجح أنهم قُتلوا أثناء التعذيب في سجون النظام السوري.
وسجلت مجموعة مراقبة أخرى، هي مركز توثيق الانتهاكات، ما اعتُبر خروقات للقوانين الإنسانية الدولية وقانون حقوق الإنسان، من بينها استهداف للمدنيين.
ويعتمد هذا المركز في معلوماته على ما يرصده النشطاء في أنحاء البلاد. ووثق 226,374 حالة وفاة أثناء القتال، و135,634 حالة وفاة بين المدنيين حتى ديسمبر/كانون الأول 2020.
كما قتل وأصيب نحو 12 ألف طفل في هذا الصراع، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
من الأطراف المتورطة؟
أبرز داعمي الحكومة السورية هما روسيا وإيران، في حين دعمت تركيا والقوى الغربية وعدد من دول الخليج المعارضة بدرجات متفاوتة خلال العقد الماضي.
روسيا: كانت لديها قواعد عسكرية في سوريا من قبل الحرب. وأطلقت حملة جوية لدعم الأسد في عام 2015، والتي كانت حاسمة في ترجيح كفة الحكومة في الحرب.
ويقول الجيش الروسي إن ضرباته الجوية تستهدف مواقع “إرهابية”، لكن نشطاء يقولون إنها تصيب المعارضين والمدنيين بشكل متكرر.
إيران: يرجح أنها أرسلت مئات الأفراد وأنفقت مليارات الدولارات لدعم الأسد.
كما يقاتل آلاف المسلحين الشيعة بجوار الجيش السوري، وهم مجموعات مدربة ومدعومة من إيران، وحزب الله اللبناني، وكذلك يأتي بعض المقاتلين من العراق وأفغانستان واليمن.
وقدمت الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة دعما في البداية لما اعتبروه مجموعات معارضة “معتدلة”. لكنهم يعطون الأولوية للمساعدات غير القتالية، بعد أن سيطرت المجموعات الجهادية على المعارضة المسلحة.
كما شن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضربات جوية، وأرسل قوات خاصة إلى سوريا منذ عام 2014 لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية، وهو تحالف من المقاتلين العرب والأكراد، على انتزاع الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق البلاد.
تركيا: داعم كبير للمعارضة، لكنها تركز على استغلال مجموعات المعارضة المسلحة لمجابهة وحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على تحالف قوات سوريا الديمقراطية. وتتهم تركيا وحدات حماية الشعب بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني المحظور في البلاد.
وسيطرت تركيا والمجموعات الموالية لها على مساحات كبيرة بطول حدودها مع شمال سوريا، وتدخلت لصد هجوم القوات الحكومة على آخر معقل للمعارضة في إدلب.
السعودية: تحرص على مجابهة النفوذ الإيراني، ودعمت المعارضة بالمال والسلاح في بداية الحرب. وكذلك فعلت منافستها الخليجية، قطر.
إسرائيل: أظهرت مخاوفها مما رأته “نفوذا عسكريا إيرانيا” في سوريا، وشحنات الأسلحة الإيرانية لحزب الله، وغيرها من الميليشيات الشيعية، حتى أنها أطلقت حملات جوية بوتيرة متسارعة في محاولة لمواجهتهم.
كيف تأثرت سوريا؟
بخلاف مئات الآلاف من الوفيات، يعاني أكثر من 2.1 مليون مدني من إصابات وإعاقات دائمة بسبب هذا الصراع، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وبلغ تعداد ساكنة سوريا قبل الصراع حوالي 22 مليون نسمة، فر أكثر من نصفهم من بيوتهم بعد الحرب. ويبلغ عدد المهجرين داخل البلاد حوالي 6.7 مليون شخص، يعيش كثير منهم في مخيمات، في حين سُجل 5.6 مليون آخرين كلاجئين في الخارج.
ويستضيف لبنان والأردن وتركيا حوالي 93 في المئة من اللاجئين السوريين، ويعانون لاحتواء هذا العدد الكبير من اللاجئين، الذي يوصف بأنه أكبر موجة نزوح في التاريخ الحديث. وولد مليون طفل سوري في بلاد اللجوء.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2021، قدرت الأمم المتحدة أعداد السوريين المحتاجين لمساعدات إنسانية داخل سوريا بحوالي 13.4 مليون شخص، من بينهم ستة ملايين في أمس الحاجة لها. ويجاهد أكثر من 12 مليون شخص للعثور على الطعام كل يوم، في حين يعاني نصف مليون طفل من سوء تغذية مزمن.
وجاءت الأزمة الإنسانية العام الماضي مصحوبة بتدهور اقتصادي غير مسبوق، إذ انخفضت قيمة العملة السورية بشكل كبير، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الطعام. كما تعاني البلاد من انتشار إصابات كورونا، التي لا يُعرف مداها بالتحديد بسبب القدرات المحدودة على إجراء الاختبارات وتردي نظام الرعاية الصحية.
الأمم المتحدة: عشرات آلاف السوريين في عداد المفقودين
وتستمر حالة الخراب في كثير من الأحياء والبنى التحتية الأساسية بعد عقد من القتال. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي التقطتها الأمم المتحدة تدمير أو تخريب أكثر من 35 ألف بناية في مدينة حلب وحدها، قبل أن تستعيد قوات النظام السوري السيطرة عليها في نهاية عام 2016.
ورغم الحماية التي تتمتع بها الخدمات الصحية، تعرضت 350 منشأة صحية لـ 595 هجمة متفرقة، حسب ما وثقته منظمة أطباء لأجل حقوق الإنسان بحلول مارس/آذار 2020، وهو ما أدى إلى مقتل 923 من أفراد الطواقم الطبية. وتسببت هذه الهجمات في تعطيل المرافق الطبية، بحيث تعمل نصف مستشفيات البلاد فقط بشكل كامل.
كما تعرض كثير من مواقع الآثار والتراث السوري للتدمير. وأصيبت مواقع التراث العالمي الستة في البلاد بخسائر كبرى، إذ فجر مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية عدة مواقع في مدينة تدمر التاريخية.
واتهم محققو جرائم الحرب الأمميين كل الأطراف بارتكاب “خروقات مشينة”. ويذكر تقريرهم الأخير أن “السوريين عانوا من قصف جوي هائل لمناطق ذات كثافة سكانية كبيرة، وتحملوا هجمات بالسلاح الكيماوي، وكذلك الحصار الذي تعمد فيه المعتدون تجويع السكان، وفرض قيود شديدة ومخجلة على وصول المساعدات الإنسانية.”
من يسيطر على البلاد؟
استعادت الحكومة السيطرة على أكبر المدن السورية، لكن أجزاء كبرى من البلاد ما زالت تحت سيطرة المعارضة المسلحة، أو الجهاديين، أو قوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الأكراد.
وأقوى معاقل المعارضة المتبقية هي إدلب في شمال غرب البلاد، والمناطق المجاورة في شمال حماة وغرب حلب.
وتسيطر هيئة تحرير الشام، الموالية لتنظيم القاعدة، على المنطقة. لكنها تضم كذلك فصائل المعارضة المسلحة الأخرى. ويعيش أكثر من 2.7 مليون نازح في هذه المنطقة، من بينهم مليون طفل، في مخيمات أوضاعها متردية.
وفي مارس/آذار 2020، أُبرم اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة تركية وروسية، لوقف تحرك الحكومة نحو استعادة السيطرة على إدلب. ويسود المنطقة هدوء نسبي منذ ذلك الحين، لكن هذا الاتفاق قابل للانهيار في أي وقت.
وأطلقت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها حملة في شمال شرق سوريا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 ضد قوات سوريا الديمقراطية، بهدف خلق “منطقة آمنة” خالية من أي وجود لوحدات حماية الشعب الكردية على الجانب السوري من الحدود بين سوريا وتركيا. وتسيطر هذه القوات على 120 كيلومترا في هذه المنطقة منذ ذلك الحين.
ولمواجهة التحرك التركي، أبرمت قوات حماية الشعب اتفاقا مع الحكومة السورية يمكن الجيش السوري من العودة للمناطق الكردية لأول مرة منذ سبع سنوات. وتعهدت الحكومة باستعادة السيطرة على هذه المنطقة بالكامل.
هل يمكن أن تنتهي الحرب؟
لا يبدو أن هذا قد يحدث في أي وقت قريب، لكن الجميع يتفق على أهمية الحل السياسي.
ويطالب مجلس الأمن بتنفيذ اتفاق جنيف لعام 2012، الذي يطرح وجود كيان حاكم انتقالي “يتم تشكيله على أسس توافقية”.
وفشلت محادثات جنيف 2، التي شهدت تسع جولات مناقشة، في إحداث أي تقدم. ويبدو أن الرئيس السوري غير مستعد للتفاوض مع مجموعات المعارضة السياسية التي تصر على خروجه من منصبة كجزء من التسوية.
ورعت روسيا وإيران وتركيا مفاوضات موازية عُرفت باسم مفاوضات الأستانة في عام 2017.