دبي – مصادر نيوز
شهدت منطقة مجلس التعاون الخليجي عامًاً آخراً من الأداء الاقتصادي الضعيف في العام 2017 ، بيد أن التوقعات تشير إلى أن النمو الاقتصادي سيشهد تحسناً خلال عامي 2018 و 2019 ، بحسب تقرير ’المرصد الاقتصادي لمنطقة الخليج‘ الذي صدر في الكويت الشهر الماضي، وهو تقرير يصدره البنك الدولي كل ستة اشهر.
ووفقاً للتقرير، فقد حققت المنطقة نمواً بنسبة 0.5 % فقط في عام 2017 – وهو الأضعف منذ عام 2009 وبانخفاض بلغ 2.5 % عن العام السابق.
وشهدت دول مجلس التعاون الخليجي استقراراً أو تراجعاً في معدل النمو الاقتصادي متأثرة بانخفاض إنتاج النفط والسياسات المالية المتقشفة التي انعكست على النشاط في القطاع غير النفطي ، في حين أن وتيرة إصدار سندات الدين الخارجي واصلت ارتفاعها في مسعى لتمويل العجز المالي الكبير.
ومن المتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي تدريجياً ، مسنوداً بالتعافي الجزئي الأخير الذي شهدته أسعار الطاقة ، وانتهاء اتفاق خفض إنتاج النفط بعد عام 2018 ، وتراجع حدة سياسات التقشف المالي. ويتوقع البنك الدولي أن يصل النمو إلى 2.1 % في عام 2018 وأن يرتفع إلى 2.7% في عام 2019 ، كما أن من المتوقع أن يرتفع معدل النمو في المملكة العربية السعودية إلى ما يقارب 2 % خلال الفترة 2018-2019 وأن يتحسن بشكل مماثل في دول أخرى في المنطقة.
هذا وقد أفاد نادر محمد ، المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي في البنك الدولي في تصريح أدلى به: “يتحول اهتمام السياسات نحو إجراء إصلاحات هيكلية أكثر عمقاً والتي تعتبر ضرورية لفصل الثروات طويلة الأمد في المنطقة عن ثروات قطاع الطاقة”. واستطرد قائلاً “على الرغم من أن الزيادة الأخيرة في أسعار النفط توفر بعض المساحة لالتقاط الأنفاس ، إلا أنه يتعين على واضعي السياسات عدم التهاون، والقيام بدلاً من ذلك بمضاعفة الإصلاحات اللازمة لبث الروح من جديد في الاقتصادات المحلية البطيئة وخلق فرص عمل للشباب وتنويع القاعدة الاقتصادية، حيث أن أي تأخير من شأنه أن يؤثر سلباً في مصداقية إطار السياسة وأن يُشعر المستثمرين بالفتور”.
وبالنظر إلى الأمام، هناك العديد من المخاطر السلبية التي قد تؤثر في النشاط الإقتصادي ، فانخفاض أسعار النفط إلى مستوى دون المتوقع يمكن أن يخلق ضغوطاً على منتجي أوبك لتمديد أو تعميق اتفاقية خفض الإنتاج مما سيؤدي إلى خفض النمو على المدى المتوسط في دول مجلس التعاون الخليجي ، فعلى الرغم من أن أرصدة الحسابات المالية والحسابات الجارية آخذة في التحسن ، إلا أن المنطقة لا تزال تواجه احتياجات تمويل كبيرة وتظل عرضة للتغيرات التي تطرأ على ميول المستثمرين تجاه المخاطر العالمية وتكلفة التمويل، كما أن التطورات الجيوسياسية والعلاقات بين دول المنطقة يمكن أن تؤدي إلى بطء في آفاق النمو ، ومن هنا فإن القصور في تنفيذ الدول لخطط الإصلاح نتيجة لضعف القدرات المؤسسية سيحرم دول مجلس التعاون الخليجي من فوائد الإصلاحات المالية وإجراء إصلاحات هيكلية أكثر عمقاً بهدف تنويع اقتصاداتها.
وعلى المدى الطويل، فإن استمرار هيمنة قطاع النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب تنفيذ الإصلاحات الهيكلية بقوة ، فالصدمات التي حدثت في معدلات التبادل التجاري خلال الفترة 2008 – 2009 و 2014 – 2016 لم تؤد سوى إلى تأثير ضئيل على هيمنة قطاع النفط والغاز في دول مجلس التعاون الخليجي ، حيث كان الجزء الأكبر من التكيف حتى الآن مدفوعًا بتخفيضات الإنفاق بدلاً من ظهور قطاعات أخرى للتبادل التجاري.
يجب أن تركز الإصلاحات الهيكلية على التنويع الاقتصادي وتنمية القطاع الخاص وإصلاحات في سوق العمل والمالية ، لقد ترجمت دول مجلس التعاون الخليجي طموحاتها على المدى الطويل في العديد من بت الرؤى وخطط التنمية الخاصة بكل بلد ، وتطمح إلى بناء اقتصادات تنافسية تستفيد من مواهب شعوبها، كما أن تنفيذ برامج التحول الهيكلي هذه يتطلب التزام سياسي مستمر من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي،
ولقد أظهرت المملكة العربية السعودية ريادة كبيرة في هذا الصدد ، حيث تهدف ’خطط تحقيق الرؤية‘ الاثنتي عشرة المرتبطة بتطلعات رؤية 2030 إلى تحويل الاقتصاد بشكل كبير خلال السنوات الخمس عشرة القادمة من خلال رفع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد من 40 % إلى 65 % ومساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35%.
وذكر الدكتور كيفين كاري، مدير أحد قطاعات البنك الدولي “إن التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد مدفوع ذاتياً موجه نحو رأس المال البشري يتطلب بعض التغييرات الأساسية في نمط التفكير، والذي يطلق عليه البعض أيضاً عقد اجتماعي جديد ، وأضاف قائلاً “لا تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى التخلي عن عقودها الاجتماعية الحالية ، بل إلى تطويرها بحيث تعكس الواقع الجديد لأسعار النفط التي ستبقى منخفضة لفترة طويلة ، وزيادة المنافسة العالمية والتهديدات طويلة الأجل الناجمة عن التغير التكنولوجي والمناخي.”
كما هو الحال في الدول العربية الأخرى، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً تحديات تتعلق بالاستدامة والمساواة والرفاهية تتعلقبأنظمة التقاعد الخاصة بها. وتتطلب هذه القضايا معالجة عاجلة لمنع أي تأثير سلبي على النمو الاقتصادي والاستدامة المالية واستقرار سوق العمل ، ومن بين الحلول المطروحة والتي يمكن أن تساعد في تحسين نتائج أنطمة التقاعد، يؤكد المرصد الاقتصادي لمنطقة الخليج على أهمية تحسين الكفاءة من خلال الحد من عدم التكامل السائد في العديد من أنظمة التقاعد في دول مجلس التعاون الخليجي ، وجعل الانضمام والمساهمات مبسطة ونظامية قدر الإمكان من خلال تعزيز نظم تحديد الهوية وتكنولوجيا المعلومات وقدرات هيئات إدارة التقاعد وتعزيز حوكمة مؤسساته.
وإذا ما كانت دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في جذب المواهب العالمية ، فإنها ستحتاج أيضًاً إلى دراسة الحلول المحتملة للوافدين والتي تساعد في تلبية احتياجاتهم طويلة الأجل فيما يتعلق بالتقاعد والأمن المالي.