دبي – مصادر نيوز
وولو، قرية مغمورة لا يعرف الناس عنها إلا القليل، تقع على ضواحي مدينة رمبيك في منطقة البحيرات الغربية في جنوب السودان. وبرغم مرارة الحرب التي تعصف بالبلاد منذ سنوات عديدة، إلا أن هناك شيئا حلوا في هذه البقعة. إنه العسل.
مجموعة من النساء في هذا المجتمع الريفي ابتكرن طريقة لجلب مصادر دخل جديدة من خلال تربية النحل وتجهيز العسل، بدعم من مؤسسات دولية. أليس مامور، البالغة من العمر 38 عاماً واحدة من هؤلاء النسوة. تعود قصة هذه السيدة مع تربية النحل سنوات طويلة إلى الوراء، فهي قد تعلمت هذه الحرفة من والدها ثم زوجها فيما بعد.
تستخدم أليس أساليب تقليدية لإنجاز عملها مثل استخدام خلايا النحل المصنوعة من الخيزران. وتقول إنها اعتادت إنتاج العسل للاستهلاك المنزلي وصنع الخمور التقليدية والإهداء خلال مراسم الزفاف.
عسل وولو.. أساليب وتقنيات حديثة
في عام 2015، مكـّن برنامج تدعمه منظمة أوكسفام الخيرية البريطانية المتخصصة في محاربة الفقر العالمي، أليس وغيرها من سكان وولو من تحويل تربية النحل إلى نشاط مدر للدخل، من خلال تدريبهم على استخدام تقنيات حديثة لتربية النحل وحصاد وتجهيز وتعبئة العسل للمستهلكين. كما أن هناك برامج مماثلة تدعمها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).
تربية النحل تمنح نساء وولو الاستقلال المادي
تقول أليس، وهي من قبيلة الدينكا، إنها تشعر بالفخر لكونها امرأة تعمل بيدها لضمان كسب العيش لمساعدة نفسها وعائلتها وتضيف:
“يمكنني الآن شراء الصابون، ودفع الرسوم المدرسية لأطفالي والحصول على الطعام”.
ولكن في بيئة الحرب تصبح الأمور معقدة بعض الشيء. إذ تقول أليس إن خشيتها من الاعتداءات التي ربما تتعرض لها هي ونظيراتها لا تشجعهن على الخروج إلى الغابة لممارسة مهنتهن المفضلة.
“إذا كنت رجلاً، سيتم اقتيادك وقتلك، لكن إذا كنت سيدة سيصفعك شخص ما أو يفعل أشياء سيئة لك ثم بعد ذلك يأخذون العسل ويطلبون منك العودة إلى المنزل”.
رداءة البنية التحتية تعيق عمليات تسويق العسل
تقع مجتمعات تربية النحل في وولو على بعد حوالي 25 كيلومترا من رمبيك، وهي رحلة تستغرق ما يقرب من ساعتين بالسيارة، بسبب سوء أحوال الطرق. ويبيع المنتجون عسلهم الذي يعرضونه على جانب الطريق إلى سائقي السيارات الذين يسافرون من وإلى رمبيك. ولكن خلال موسم هطول الأمطار يصبح الطريق غير قابل للعبور، مما يسبب ضررا كبيرا لمربي النحل بسبب انعدام الزبائن. موسم الخريف، بالطبع، ليس هو العقبة الوحيدة التي تعكر صفو منتجي العسل، إذ يشكل انعدام الأمن المتكرر على طول طرق الإمداد الرئيسية تهديداً للأعمال التجارية، مما يؤدي إلى إعاقة الوصول إلى أسواق أكبر مثل رومبيك والعاصمة جوبا.
أونميس تتدخل لتسهيل مهمة منتجي العسل في وولو
أعلنت بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (أونميس) خطة في العام 2017 لإعادة تأهيل 2350 كيلومترا من الطرق لتحسين الأمن، وخلق بيئة مواتية للشركاء في المجال الإنساني للوصول إلى المجتمعات الضعيفة، والمساعدة في تعزيز الاقتصاد. حيث سيتمكن صغار المنتجين من نقل بضائعهم بأمان. إضافة إلى أن إعادة تأهيل الطرق ستمكن أيضاً قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من القيام بمزيد من الدوريات على طول الطرق غير الآمنة، واستعادة الثقة بين المجتمعات المحلية.
تقول أليس إن رؤية سيارات بعثة أونميس وهي تجوب المنطقة تبعث في نفسها السعادة والأمن لأن ذلك يعني لها “أن الناس قد عادوا إلى السلام “.
السلام هو كل ما يحتاجه سكان وولو للاستمرار في إنتاج العسل
مع سوق واعدة لتحويل تربية النحل إلى مهنة قابلة للبقاء، يقول سكان وولو، وهم جماعات زراعية في المقام الأول، إن هناك حاجة ملحة لإنهاء الصراع بينهم ورعاة الماشية الذين يهاجرون إلى منطقتهم طلبا للماء والكلأ.
تثار مخاوف مربي النحل، بسبب قيام الرعاة بتخريب خلاياهم عندما يصلون إلى مجتمعاتهم، خلال فترة الهجرة الموسمية. إضافة إلى أن رائحة الأبقار تجبر النحل على الهروب من خلاياه بحسب سكان وولو. يقول برنابس دومبولو الذي يشغل منصب رئيس جمعية مزارعي وولو لتربية النحل وتسويق العسل.
“نحن بحاجة إلى الحوار والتفاهم مع الرعاة الذين يأتون الي مجتمعنا لنقنعهم بالتوقف عن تدمير خلايا النحل حتى تستمر الحياة في التقدم إلى الأمام”.
برغم قتامة الوضع الراهن، إلا أن هناك أملا بأن يعود السلام والحياة الطبيعية إلى جنوب السودان، حتى تتمكن الصناعات غير المستغلة، مثل تربية النحل وتجهيز العسل، من الوصول إلى كامل طاقاتها وسعتها، مما يمكن مجتمعات تربية النحل مثل وولو من التمتع بحياة مزدهرة و”حلوة”.