كتبت – إيمان حامد
أكد تقرير لبي دبليو سي صدر مؤخراً بعنوان “بناء اقتصادات البيانات المستقبلية: شباب اليوم يرسمون معالم اقتصادات بيانات الغد” بالتزامن مع القمة العالمية للحكومات في دبي، أنه لن تكون هناك عدالة في تقاسم منافع اقتصادات البيانات الجديدة من دون قيام صناع السياسات بوضع نهج محدد.
ويمكن للحكومات أن تضمن تحقيق ثمار ثورة البيانات لكل فرد في المجتمع من خلال التفاعل مع الشباب بوصفهم قوى دافعة لاقتصادات البيانات في الحاضر والمستقبل.
فوفقاً لما أفادت به منى أبو هنا، شريك في بي دبليو سي الشرق الأوسط وأحد معدي التقرير، فإن كل حكومة في المنطقة “تستطيع بل وينبغي عليها” أن تعزز وعود الاقتصادات القائمة على البيانات. وتُشير منى إلى أن الهدف المطلق هو تعزيز تكافؤ الفرص الرقمية، حيث لا يُحرم أي شخص من فرصة الاستفادة من عالم ثري بالبيانات، ويجب أن يكون إشراك الشباب في صميم قدرة الدول على الاستجابة لمتطلبات هذا العصر.
ويمضي التقرير في تحديد المتطلبات أو التوصيات السياسية الست التي تراها بي دبليو سي ضرورية لتمكين الشباب من دفع اقتصادات البيانات في المستقبل:
1- إحداث تغيرات جذرية في نظام التعليم
أدركت الحكومات الحاجة إلى الانتقال لنماذج تعليمية مبتكرة، إلا أن مثل هذه الإصلاحات لا تقطع أشواطاً كافية في إحداث تغيرات جذرية في نظم التعليم التقليدية في إطار التحضير لاقتصاد البيانات، وتزويد الشباب بالمهارات والفرص الرقمية اللازمة لبناء اقتصادات البيانات المستقبلية والاستفادة منها.
وفي تعليق لماريا أكسينتي، المشاركة في إعداد التقرير والمسؤولة عن توجيه برنامج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا والاستثمارات في بي دبليو سي ورائدة برنامج الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق الصالح العام، قالت:
“ينبغي أن يتمثل هدف أي مبادرة تعليمية حكومية أو مبادرة شراكة بين القطاعين العام والخاص في تسليم القيادة للشباب، بصفتهم صانعي مستقبلهم الرقمي الخاص. وبذلك سيعود التعاون بدل التنافس بين الحكومة وقطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية والجمهور بشكل عام بالفائدة على جميع الأطراف. حيث يلزم اتباع عقلية جديدة للتعليم من أجل إعداد الشباب لما ينتظرهم من مستقبل غير واضح المعالم.
ومن شأن تسليح الأجيال الشابة بمجموعة متنوعة من المهارات أن يمكنهم من مواجهة المستقبل المعقد غير واضح المعالم الذي ينتظرهم. وعلى صانعي السياسات تمهيد الطريق عبر وضع جدول أعمال لتحقيق التغيير من خلال التعاون والمشاركة والسياسات التي تساهم في إصلاح النماذج التعليمية القائمة وإحداث تغيير جذري بها. والأهم من توفير التدريب على العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على أعلى مستوى للجميع، فعلى الحكومات أن تضع على رأس أولوياتها بذل الجهود التي تُثمر عن مراعاة أربعة أشكال رئيسية متنوعة من الذكاء: الذكاء السياقي – عن طريق الإلمام بالبيانات؛ والذكاء الاجتماعي والعاطفي؛ والذكاء المادي– المتركز على الصحة والرفاهية؛ والذكاء الابتكاري–أي تحقيق الذات أو تحقيق كل واحد منا لجميع قدراته الكامنة.
2- دعم الشباب وتمكينهم من المشاركة مع الحكومات
يتطلب إشراك الشباب في السياسات الحكومية والتخطيط لاقتصادات البيانات توافر أدوات مبتكرة وتشاركية كفيلة بتحقيق ذلك، وينبغي أن تكون المشاركة بدلاً من التوظيف الرسمي هي كلمة السر لهذا الأمر.
3- إعادة تأهيل الحكومات وموظفي القطاع العام ليصبحوا مؤهلين للتكنولوجيا الرقمية
على الحكومات الاستثمار أكثر في تدريب الموظفين من جميع الأعمار على المهارات الإبداعية المطلوبة لفهم الآثار المترتبة على التكنولوجيا الناشئة. ويتمثل التحدي في جعل المسؤولين الحكوميين والسياسيين يفكرون ويتصرفون مثل رواد الأعمال المبتكرين في مجال التكنولوجيا.
وتُضيف ماريا أكسينتي قائلة:
“لا يمكن إنكار أن الشريحة السكانية لكبار صانعي السياسات والعاملين في مجال التكنولوجيا في القطاع العام هي من الأكبر سناً بالمقارنة مع أقرانهم في القطاع الخاص. غير أن هذه الفجوة العمرية بين القطاعين العام والخاص فيما يخص التكنولوجيا تنطوي على فجوة ثقافية أكثر عمقاً. ففي الكثير من الحكومات المركزية والمحلية، لا تزال وزارات التكنولوجيا والهيئات العامة الأخرى التي تتفاعل مع قطاع التكنولوجيا لا تتناسب من الناحية الهيكلية والثقافية. ومن الممكن تعديل بعض الأدوات المستخدمة مثل الجلسات الميدانية الرقمية والمحلفين من المواطنين ومديري الحسابات الحكوميين الشخصيين وأنظمة تسجيل المصوتين عبر الإنترنت بحيث تستقطب المزيد من الشباب إلى النقاش وصناعة القرار حول بناء اقتصادات البيانات والاستفادة منها وتنظيمها”.
4- وضع ورصد مؤشرات اقتصادية وطنية للشباب والبيانات
استخدمت الحكومات على مدى عقود مؤشرات تقليدية مثل معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي وإحصاءات العمالة لقياس الأداء الاقتصادي الوطني.
ومع ذلك، فإن هذه المعايير تعتبر أقل فائدة في تتبع اقتصادات البيانات التي تزدهر بسبب الاضطرابات لتترك خلفها آثاراً للخراب الذي أحدثته. وبمساعدة الشباب، تحتاج الحكومات إلى تطوير مجموعة جديدة من المؤشرات والأهداف التي يمكن أن تحدد بدقة مدى مشاركة الشباب أو عدم مشاركتهم في الجهود المبذولة لبناء اقتصادات البيانات في المستقبل.
5- الاستفادة من البيانات واستخدامها
بدأت الحكومات تدرك أن بياناتها الخاصة التي تمنح مجاناً، توفر بديلاً لتدفقات البيانات التي تسوقها الشركات الخاصة تجارياً عبر شبكاتها. وإضافة إلى ذلك، لدى الحكومات القدرة على جعل بياناتها غير المنشورة متاحة عبر الإنترنت ومن ثم الاستفادة من الشباب لإيجاد الفرص من تدفق البيانات الموسع.
لقد كان تحديد الإمكانات الاقتصادية في مجال البيانات في صميم استراتيجيات نمو عمالقة التكنولوجيا.وبالمثل، يوجد على الصعيد الوطني إمكانات كبيرة لإنشاء قطاعات اقتصادية جديدة تتمحور حول البيانات وخدمات البيانات.
6- إنشاء سوق ووظائف خاصة بالذكاء الاصطناعي
لا يمكن للشركات وغيرها من الكيانات الخاصة أن تذهب أبعد من امتداد خدماتها وشبكاتها، في حين أن الحكومات لديها تغطية أكبر للبيانات وقوة أكبر لملء أي ثغرات في تدفق البيانات.
وبالتالي، تستطيع الحكومات المبتكرة التي تعمل مع الشباب الذين يتمتعون بخبرة في المجال الرقمي المساعدة في خلق أسواق ووظائف جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي هذه العملية، توسيع الفرص المتاحة لجميع الشباب وتعميقها في اقتصادات البيانات المستقبلية.
مستقبل مرتكز حول الشباب
واختتمت منى أبو هنا من بي دبليو سي قائلة:
“في بناء اقتصادات البيانات المستقبلية المتمركزة حول الشباب لا يوجد حل سحري أو مثال واحد لأفضل الممارسات العامة. بل ينبغي النظر إلى هذه التوصيات ودراسات الحالات المتعلقة بالسياسات بشمولية وبمرونة، مع تكييف الأفكار المبتكرة لتتناسب مع السياقات المحلية ومن ثم اختبارها قبل طرحها. إن القاسم المشترك بين هذه الحالات كلها هو وجهة نظر الشباب كشركاء ومستشارين للحكومة، يعملون معاً من أجل تحقيق نفس الهدف المتمثل في اقتصادات البيانات الشاملة والمستدامة والعادلة اجتماعياً، حيث تتاح لجميع الشباب الفرصة لخلق الفوائد وتشاركها”.