صحافة الذكاء الاصطناعي بين خيارين: حرية أو كبت الإعلام

د. محمد عبد الظاهر
د. محمد عبد الظاهر

زاد الحديث خلال الأعوام الثلاثة السابقة حول بعض التقارير التي تتحدث عن كبت بعض وسائل الإعلام، وخاصة في الدول الغربية التي تتغنى بـديمقراطيتها السياسية ليل نهار.

وفقا لآخر تقرير 2019 حول حرية الصحافة في العالم سجل مؤشر حرية الصحافة لعام 2019 وفق التصنيف السنوي لمنظمة “مراسلون بلا حدود” – تراجعا في عدة دول. ‎ففي أوروبا مثلا، وتضاعف العنف اللفظي ضدّ الصحافة في أوروبا، رغم أنها الأكثر ضمانا لحرية الصحافة.

ففي شهر أكتوبر الماضي ظهر موريس زيمان رئيس تشيكيا، خلال ندوة صحفية، مُشهرا بندقية كلاشنكوف مزيفة كُتبت عليها عبارة “هذه للصحافيين”، وغيرها من الحوادث التي سُجلت في أمريكا وألمانيا والعديد من الدول الغربية.

تأثير صحافة الذكاء الاصطناعي على حرية الإعلام

الأمر الذي يثير الفضول حول صحافة الذكاء الاصطناعي ومستقبل حرية الإعلام، ففي أي اتجاه تميل صحافة الذكاء الاصطناعي، فهل يمكن لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تدعم كبت وسائل الإعلام، تقيد حرية المعلومات، وحركة الصحفيين.

هل يمكن أن نجد جيوشا من الصحفيين الآليين “روبوت” يتحركون بأمر من قيادات استبدادية لقمع الحريات، ومنع وسائل الإعلام من العمل بطريقة أكثر إنسانية؟.

الجواب: نعم بالطبع، صحافة الذكاء الاصطناعي مثلها مثل أي تقنية تكنولوجية جديدة، يمكن أن يستخدمها الإنسان في الخير كما هو الحال في الشر.

فكما هناك روبوت حر يتحرك بشافية ويدعم حرية تداول المعلومات، ويدعم وسائل الإعلام النزيهة أو تلك التي تتمتع بقدر من المصداقية، هناك أيضا روبوت يتحدث ويكتب وينفذ أوامر جهات سلطوية، قادرة على كبت وسائل الإعلام وحرية الرأي.

وكما هناك منصات للبيانات المفتوحة تدعم الخير للبشرية، وتُشارك كافة التقارير والبيانات بصورة سهلة وديمقراطية، سوف تكون هناك منصات للبيانات المفتوحة أيضا تدعم الجرائم والعنف، واستهداف الدول وتعمل على تدمير النظم المعلوماتية المتاحة لدى الملايين حول العالم.

الطباعة ثلاثية الأبعاد على سبيل المثال، كما بدأ العالم في استخدامها بصورة إنسانية في الطب والكشف عن الأمراض، وتشخيص بعض الحالات، وصناعة بدائل لبعض الأطراف الصناعية، علاوة على دخولها في مجال الهندسة والتصميمات الأكثر تعقيدا؛ لتسهيل أمور الحياة على الإنسان بما يعود بالنفع للجميع.

هناك استخدامات أكثر سلبية في السرقات، والتزييف، وصناعة سبائك من الذهب، وصناعة الأسلحة، والأبعد من ذلك هناك تقنيات جديدة للطباعة ثلاثة الأبعاد قد تتيح طباعة العقاقير والأدوية، وهو ما من شأنه إحداث ثورة في صناعة الأدوية.

وقد تسمح للمريض بطباعة الدواء الخاص بهم في حال توافر المركبات الكيميائية اللازمة لذلك، وهو ما قد يُهدد صحة الإنسان، وينذر بزيادة العقاقير المُخدرة أو تلك التي تُدمر الجهاز العصبي للإنسان.

صحافة الذكاء الاصطناعي بين الخير والشر

لكن يمكن القول إن صحافة الذكاء الاصطناعي قد تكون أداة لبعض الأعمال الضارة، وكبت حرية بعض وسائل الإعلام، عن طريق بث رسائل “نمطية” واحدة ثابتة، حيث يتمكن الشخص المتحكم في وضع محتوى واحد، يمكن أن يُشكل عن طريق “روبوت” أو كاميرات مُتحركة ذاتيا، او أقمار صناعية عابرة لحدود وقوانين الدول.

لكن في ذات الوقت، يمكن أن تُوجد تقنيات أكثر ذكاء لخدمة الإنسانية، تُقاوم مثل تلك الأدوات، وتعمل كأجسام مضادة، في خلق المحتوى المناسب المتنوع الذي يقود الإنسان، ولا تقوده الآلات النمطية، التي تُنفذ فقط دون تفكير او إبداع، هذا هو تأثير صحافة الذكاء الاصطناعي ومستقبل حرية الإعلام

فالعامل الفاصل بين الشر والخير، النفع أو الضر في صحافة الذكاء الاصطناعي هو: كيف يمكن أن نعتمد على إبداع الإنسان في التصدي لأي محتوى مُميكن أو محتوى نمطي خارق للحدود والدول، وصولا للجمهور المستهدف، وتلك هي الإشكالية الكبيرة في حقبة صحافة الذكاء الاصطناعي.

Optimized with PageSpeed Ninja