دبي- مصادر نيوز
فتح من جديد ملف الصحفي السعودي جمال خاشقجي المقيم في الولايات المتحدة الذي قُتل في قنصليه بلاده باسطنبول في 2 أكتوبر 2018، وفقا لـ BBC.
وقد ظهرت روايات متضاربة في الأشهر التي تلت ذلك،حول كيفية وفاته، وماذا حدث لرفاته، ومن المسؤول.
وقال مسؤولون سعوديون إن الصحفي قتل في “عملية مارقة” قام بها فريق من العملاء أرسل لإقناعه بالعودة إلى المملكة، في حين قال مسؤولون أتراك إن العملاء تصرفوا بناء على أوامر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية.
من هو جمال خاشقجي؟
عُرف جمال خاشقجي الذي ولد في المدينة المنورة عام 1958 لأسرة ذات أصول تركية بانتقاداته للحكومة السعودية، بعد أن أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد، والذي يقدم نفسه للعالم الخارجي باعتباره رائد الإصلاح، بينما شهدت بلاده موجة من الاعتقالات ضد رجال دين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان وناشطات مدافعات عن حقوق النساء.
على مدى عقود، كان الرجل البالغ من العمر 59 عاما مقربا من العائلة المالكة السعودية وعمل أيضا مستشاراً للحكومة.
ودرس خاشقجي الصحافة في جامعة إنديانا الأمريكية، وبدأ حياته المهنية كمراسل صحفي.
واشتهر أكثر بعد نجاحه في تغطية أحداث أفغانستان والجزائر والكويت والشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي.
وكان من الذين أثاروا موجة من الجدل عندما كتب تغريدة على موقعه في وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر، مدافعا عن الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، وعن جماعة الإخوان المسلمين المصنفين كـ “إرهابيين” من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
تولى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة “أراب نيوز” في أواخر التسعينيات، وبقي في ذلك المنصب مدة أربعة أعوام.
وفي عام 2004، عُيّن رئيسا لتحرير صحيفة “الوطن” وهو المنصب الذي أُقيل منه دون إيضاح الأسباب.
وفي العام نفسه، عمل مستشارا إعلاميا للأمير تركي الفيصل، واستمر في عمله ذلك لسنوات. وكان تركي الفيصل مديرا للمخابرات السعودية لفترة طويلة (1977-2001) وبعدها تقلد مناصب هامة في السلك الدبلوماسي حيث تولى منصب سفير المملكة في بريطانيا وبعدها سفير السعودية في الولايات المتحدة.
وفي عام 2015، عُين مديرا عاما لقناة “العرب” الإخبارية التي كان مقرها في المنامة، البحرين، والتي كان يمتلكها الأمير الوليد بن طلال، ولكنها سرعان ما أغلقت بعد ساعات من افتتاحها.
ورجّحت الصحف المحلية أسباب إغلاقها وقتذاك إلى خلاف مع السلطات البحرينية حول السياسة التحريرية.
في حين لم تعلق الحكومة البحرينية على سبب الإغلاق.
وعمل خاشقجي أيضا معلقا سياسيا، ظهر في عدد من القنوات السعودية والعربية.
وفي ديسمبر 2017، أنهت صحيفة “الحياة اللندنية” لصاحبها الأمير خالد بن سلطان، علاقتها به ومنعت كتاباته التي تنشرها الصحيفة بدعوى ” تجاوزات ضد السعودية”.
كان خاشقجي يعيش قبل اختفائه في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة.
وتحدث الصحفي جيسون رضائيان في صحيفة واشنطن بوست عن الأوضاع في السعودية قائلا: “مع كل إصلاح مفترض، تأتي موجة جديدة من الاعتقالات والأحكام بالسجن وزيادة في الاجراءات القمعية”.
وأضاف “مع كل نقطة تحول، قدم جمال لقراء واشنطن بوست تعليقا متبصرا ونقدا لاذعا عن البلد العصي على الفهم”.
قال خاشقجي في أول عمود له في صحيفة واشنطن بوست في سبتمبر / أيلول 2017 ، إنه كان يخشى أن يتم القبض عليه في حملة على ما يبدو ضد المعارضة أشرف عليها الأمير.
كتب خاشقجي عدة مؤلفات نالت إعجاب الكثيرين منها “علاقات حرجة- السعودية بعد 11 سبتمبر”، “ربيع العرب زمن الإخوان المسلمين” و”احتلال السوق السعودي”.
وكان ينظر إليه في كثير من الأحيان كخبير بالأحوال الداخلية في السعودية، حتى قرر المغادرة منذ عام 2017 وسط تقارير عن بداية حملة ضد أصحاب الرأي المخالفين لتوجهات ولي والعهد.
لماذا كان في القنصلية؟
زار خاشقجي القنصلية السعودية في اسطنبول لأول مرة في 28 سبتمبر/ أيلول 2018 للحصول على وثيقة سعودية تفيد بأنه مطلق، حتى يتمكن من الزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز.
لكن قيل له إنه يتعين عليه العودة للحصول على الوثيقة، ورتب للعودة في 2 أكتوبر/ تشرين الأول.
وكتبت جنكيز في واشنطن بوست “لم يكن يتوقع أن مكروهاً يمكن أن يحدث له على الأراضي التركية”.
ورافقته جنكيز إلى مدخل القنصلية في 2 أكتوبر. وشوهد آخر مرة في لقطات كاميرات المراقبة وهو يدخل المبنى في الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي.
على الرغم من طمأنة الأصدقاء بأنه لن يواجه أي مشاكل في الداخل، فقد أعطى جنكيز هاتفين جوالين وطلب منها الاتصال بمستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا لم يعد.
انتظرت في النهاية لأكثر من 10 ساعات خارج القنصلية، وعادت في صباح اليوم التالي عندما لم يظهر خاشقجي مرة أخرى.
ماذا قالت السعودية؟
لأكثر من أسبوعين، نفت السعودية باستمرار أي معرفة بمصير خاشقجي. وقال الأمير محمد بن سلمان لمحطة بلومبيرغ الإخبارية إن الصحفي غادر القنصلية “بعد بضع دقائق أو ساعة واحدة”، وأضاف “ليس لدينا ما نخفيه”.
لكن في تغيير في اللهجة في 20 أكتوبر، قالت الحكومة السعودية إن تحقيقا أوليا أجراه المدعون، خلص إلى أن الصحفي توفي أثناء “شجار” بعد مقاومة محاولات إعادته إلى السعودية. في وقت لاحق، أرجع مسؤول سعودي سبب الوفاة إلى عملية خنق.
في 15 نوفمبر، قال نائب المدعي العام السعودي شعلان الشعلان، إن القتل صدر بأمر من رئيس “فريق المفاوضات”، الذي أرسله نائب رئيس المخابرات السعودية إلى اسطنبول لإعادة خاشقجي إلى المملكة “عن طريق الإقناع” و إذا فشل ذلك “بالقوة”.
وقال شعلان إن المحققين خلصوا إلى أن خاشقجي تم تقييده بالقوة بعد صراع وحقن بكمية كبيرة من المواد المخدرة، وتسببت الجرعة الزائدة بوفاته. وأضاف أنه تم بعد ذلك تقطيع جثته وتسليمها إلى “متعاون” محلي خارج القنصلية للتخلص منها.
وأكد شعلان أن خمسة أشخاص اعترفوا بالقتل، مضيفا “لم يكن لدى ولي العهد أي علم بها”.
ما هي الإجراءات التي اتخذتها السعودية؟
وقالت النيابة العامة السعودية في أواخر سبتمبر/ أيلول 2018، إنه تم التحقيق مع 31 شخصا في جريمة القتل وتم اعتقال 21 منهم.
كما أقيل خمسة من كبار المسؤولين الحكوميين، بينهم نائب رئيس المخابرات أحمد عسيري وسعود القحطاني، أحد كبار مساعدي بن سلمان.
وفي يناير/ كانون الثاني 2019، قدّم 11 شخصا – لم يتم الكشف عن أسمائهم – للمحاكمة أمام محكمة جنايات الرياض على خلفية جريمة قتل خاشقجي، وطالب النائب العام بإعدام خمسة منهم.
قالت هيومن رايتس ووتش إن المحاكمة، التي جرت خلف أبواب مغلقة، لم تف بالمعايير الدولية وإن السلطات “عرقلت المساءلة الحقيقية”.
في ديسمبر 2019، حكمت المحكمة على خمسة أشخاص بالإعدام بتهمة “ارتكاب جريمة قتل الضحية والمشاركة فيها بشكل مباشر”. وحكم على ثلاثة آخرين بالسجن لمدة 24 عاما بتهمة “التستر على هذه الجريمة ومخالفة القانون” فيما ثبتت براءة الثلاثة الباقين.
وقالت النيابة العامة إن العسيري حوكم ولكن تمت تبرئته “لعدم كفاية الأدلة”، بينما تم التحقيق مع القحطاني في جريمة القتل ولكن لم توجه إليه تهمة.
وفي مؤتمر صحفي عقب الحكم، قال شعلان الشعلان إن تحقيق النيابة العامة أظهر أن “القتل لم يكن مع سبق الإصرار”.
ورفضت مقررة الأمم المتحدة التي تولت التحقيق في القضية أغنيس كالامار هذا التأكيد ووصفته بأنه “سخيف للغاية”، وقالت إن المحاكمة تمثل “نقيضا للعدالة”، والتي برأت “العقول المدبرة”.
لكن صلاح نجل خاشقجي، الذي يعيش في السعودية، غرّد “نؤكد ثقتنا بالقضاء السعودي على جميع المستويات، وأنه كان عادلا لنا وأن العدالة قد تحققت”.
وفي مايو 2020، قال صلاح خاشقجي وإخوته: “عفونا عن من قتل والدنا -رحمه الله- لوجه الله تعالى” موافقين على رأي النيابة العامة أن القتل لم يكن مع سبق الإصرار.
بعد أربعة أشهر، خففت محكمة جنايات الرياض أحكام الإعدام الصادرة على خمسة من المتهمين إلى السجن لمدة 20 عاما. وحكم على الثلاثة الآخرين بالسجن لمدد تتراوح بين سبع وعشر سنوات. وقال الادعاء إن الأحكام كانت نهائية وأن المحاكمة الجنائية مغلقة الآن.
ووصفت جنكيز الأحكام بأنها “استهزاء تام بالعدالة”.
وأضافت أن “السلطات السعودية تغلق الملف دون أن يعرف العالم حقيقة المسؤول عن مقتل جمال .. من خطط لها، ومن أمر بها، وأين جسده؟ هذه هي الأسئلة الأساسية والأكثر أهمية التي لم تتم الإجابة عليها تماما”.
ما هي الرواية التركية لما حدث؟
قال مسؤولون أتراك إن 15 سعوديا، برفقة ثلاثة من عناصر المخابرات، وصلوا إلى أسطنبول قبل أيام من اغتيال خاشقجي. وقامت هذه المجموعة بإزالة كاميرات المراقبة والمواد التي سجلتها داخل القنصلية السعودية قبل وصول الصحفي الذي لقي مصرعه في المبنى.
وقال المحامي العام في أسطنبول عرفان فيدان في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 إن خاشقجي خُنق وقطعت جثته بعد دخوله القنصلية بقليل.
وفي مقال كتبه في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن التحقيقات كشفت أن جمال خاشقجي “قتل بدم بارد على يد فريق قتل، وكان القتل عمدا مع سبق الإصرار”.
وأضاف: “هناك أسئلة أخرى لا تقل أهمية سوف تسهم إجاباتها في فهم ملابسات هذا العمل المشين. أين جثة خاشقجي؟ من هو المتعاون المحلي الذي تزعم السعودية أنه تخلص من أشلاء جاشقجي؟ من أعطى الأوامر بإزهاق تلك الروح الطيبة؟ لسوء الحظ، رفضت السلطات السعودية الإجابة على تلك الأسئلة”.
وقال أردوغان إنه علم أن الأوامر بقتل خاشقجي “جاءت من أعلى المستويات في الحكومة السعودية”، مستبعدا أن يصدق “ولو لثانية واحدة أن الملك سلمان، خادم الحرمين، هو من أًصدر الأمر بالقتل”.
وفي مارس/ آذار الماضي، وجه المحامي العام في أسطنبول اتهامات رسمية بقتل خاشقجي إلى سعود القحطاني، وأحمد العسيري و18 متهما آخرين.
وأشارت تلك الاتهامات إلى أن مساعدي ولي العهد السعودي السابقيْن “حرضا على القتل العمد مع سبق الإصرار مع ثبوت قصد التعذيب الوحشي خلال عملية القتلوالاستمتاع بذلك”.
ورفضت السعودية طلب تسليم المتهمين الذي تقدمت به تركيا، وهو ما أدى إلى عقد محاكمة غيابية للمتهمين البالغ عددهم 20 شخصا في 20 يوليو/ تموز 2020 في محكمة بأسطنبول. وقال المحامي الذي عينته المحكمة التركية للدفاع عن المتهمين إن موكليه نفوا جميع الاتهامات الموجهة إليهم.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قبلت المحكمة إضافة ستة متهمين سعوديين جدد إلى القضية من بينهم نائب القنصل السعودي في تركيا، وأحد الملحقين الدبلوماسيين اللذين واجها تهمة “القتل العمد بنية وحشية”. كما اتهم أربعة آخرون بإتلاف وإخفاء الأدلة و العبث بها.
ماذا كشفت تحقيقات الأمم المتحدة؟
توصل تقرير صدر في يونيو/ حزيران 2019، أعدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كالامار، إلى أن مقتل خاشقجي “يُعد جريمة قتل خارج القانون تتحمل السعودية مسؤوليتها”.
وكشف أيضا عن أن هناك “أدلة موثوقة” تستدعي فتح تحقيق في تورط الأمير محمد بن سلمان وغيره من كبار المسؤولين رفيعي المستوى في السعودية في القتل. وقالت إن الأمير ينبغي أن يخضع للعقوبات التي فرضتها بالفعل دول أعضاء في الأمم المتحدة على بعض الأفراد الذين يعتقد أنهم متورطون في القتل.
وأضافت كالامار أن التحقيقات التي أجرتها السعودية وتركيا لم تف بـ “المعايير الدولية”.
وطالبت أيضا بتعليق محاكمة المشتبهين به والبالغ عددهم 11 شخصا لأن المحاكمة “لن تحقق العدالة كما ينبغي”.
وقالت إن المحاكمة “تُجرى خلف أبواب مغلقة، ولم يكشف النقاب عن هوية من يواجهون الاتهامات ولا هوية هؤلاء الذين يواجهون أحكاما بالإعدام. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال واحد على الأقل من بين من ثبت أنهم خططوا ورتبوا عملية قتل خاشقجي لم توجه إليه أي اتهامات بعد”.
ورفض عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، ما جاء في التقرير، واصفا إياه على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بأنه “لم يقدم جديدا” وأنه يحتوي على “تناقضات واضحة ومزاعم لا أساس لها من الصحة تقوض مصداقيته”.
وأضاف: “القضاء السعودي هو الجهة الوحيدة المنوطة بها التعامل مع قضية خاشقجي، وهو يعمل باستقلالية كاملة”.
هل هناك أدلة؟
في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، قالت الحكومة التركية إنها أطلعت السعودية، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا على تسجيلات صوتية لمقتل خاشقجي. ورغم عدم الإعلان رسميا عن مضمون تلك التسجيلات، أورد تقرير كالامار تفاصيل التسجيلات التي تحدثت عنها أنقرة.
وأشارت المقررة الخاصة إلى أنها لم تتمكن من الحصول على نسخة من تسجيلات مقتل خاشقجي من المخابرات التركية أو ألتأكد من مصداقيتها.
لكن أحد هذه التسجيلات الصوتية تضمن مناقشة بين من يبدو أنهم اثنين من المسؤولين السعوديين حول كيفية تقطيع ونقل جثمان خاشقجي، وذلك قبل دقائق من وصول خاشقجي إلى القنصلية وفقا لتقرير كالامار.
ونسب التقرير إلى أحد المسؤوليْن السعودييْن قوله أن: “الجثمان ثقيل، وهذه هي المرة الأولى التي أقطع فيها جثماناً على الأرض. إذا أخذنا الأكياس البلاستيكية وقطعناها إلى قطع صغيرة، سوف ينتهي الأمر”. وفي آخر التسجيل تسائل المسؤول الثاني عما إذا كانت “الأضحية” وصلت.
كما سجلت محادثة أخرى تمت بعد ذلك داخل القنصلية تضمنت حديث المسؤولين مع خاشقجي: “سوف نعيدك. هناك أمر من الشرطة الدولية. طلبت الشرطة الدولية إعادتك. وقد جئنا لإعادتك”.
وأشار التقرير إلى أن رد خاشقجي كان: “ليست هناك قضية ضدي. وقد أخبرت بعض الناس في الخارج، وهم في انتظاري، هناك سائق ينتظرني”.
وفي حوالي الساعة الواحدة وثلاثة وثلاثين دقيقة بالتوقيت المحلي أظهر التسجيل خاشقجي وهو يقول “هذه منشفة، هل ستخدرونني”، ويجب شخص ما “سنخدرك”.
وأشار التقرير إلى سماع صوت عراك بعد تلك المحادثة ومعه عبارات تضمنت “هل نام؟”، و”إنه يرفع رأسه”، و”استمر في الضغط”. بعد ذلك، سمعت أصوات حركة، وأشخاص يلهثون، وأغطية بلاستيكية تُسحب.
وتعرفت المخابرات التركية على صوت منشار تم تشغيله في الساعة 1:39 دقيقة ظهرا بالتوقيت المحلي، لكن كالامار والوفد الذي يعمل معها لم يتمكنوا من التعرف على مصادر الأصوات التي سمعوها.
وأشارت تقديرات ضباط مخابرات في تركيا ودول أخرى لما جاء في تلك التسجيلات إلى أنه من المرجح أن يكون خاشقجي قد حُقن بمادة مهدئة ثم خُنق باستخدام حقيبة بلاستيكية، حسب تقرير كالامار.
ولم يُسمح للمسؤولين الأتراك بدخول القنصلية السعودية للحصول على عينات من الحمض النووي إلا بعد أسبوعين من الحادث.
وقال التقرير الأممي إن هناك أدلة قوية على أن مسرح الجريمة “خضع لتنظيف عميق بمعرفة متخصصين في الطب الشرعي” قبل وصول المحققين إليه.
كما تم تفتيش غابة بلغراد في اسطنبول بحثا عن أشلاء خاشقجي، وهو الموقع الذي زاره المحلق القنصلي السعودية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، أي قبل مقتل الصحفي السعودي بيوم واحد. وبحثت السلطات التركية أيضا في مدينة يالوفا التركية الساحلية، إذ ترددت مزاعم تشير إلى أن مواطنا سعوديا يمتلك منزلاً في مزرعة هناك.
من هم العملاء السعوديون المزعومون؟
لم يكشف عن هوية أي ممن قالت السعودية إنهم يخضعون للمحاكمة، لكن المقررة الخاصة للأمم المتحدة ذكرت أسمائهم في تقريرها، ناسبة المعلومات إلى “مصادر حكومية مختلفة”.
وقال التقرير إن المتهمين الخمسة الذين يواجهون أحكاما بالإعدام هم فهد شبيب البلوي، وتركي مشرف الشهري، ووليد عبد الله الشهري، وماهر عبد العزيز مطرب، ضابط مخابرات سعودي تقول الولايات المتحدة إنه يعمل لصالح معاون ولي العهد سعود القحطاني، أما الخامس فهو صلاح محمد الطبيقي، خبير الطب الشرعي في وزارة الداخلية السعودية.
أما بقية المتهمين الستة فهم منصور عثمان أباحسين، ومحمد سعد الزهراني، ومصطفى محمد المدني، وسيف سعود القحطاني، ومفلح شايع المصلح الذي يقال إنه من طاقم العمل في القنصلية السعودية في أسطنبول، وأحمد العسيري، النائب السابق لرئيس المخابرات السعودية.
ووفقا للتقرير الأممي، قال المحامون المكلفون بالدفاع عن المتهمين، في جلسة عقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي، إن موكليهم “موظفون بالدولة ولا يستطيعون الاعتراض على التعليمات الموجهة إليهم ممن هم في مناصب أعلى”.
وقال ثلاثة من المتهمين إن خاشقجي “بدأ يصرخ، لذا غطوا فمه لمنعه من إثارة جلبة، وهو ما أدى إلى موته عن طريق الخطأ”، وفقا للتقرير الأممي الذي أشارت فيه كالامار إلى أنها لم تسمع أي صراخ في التسجيلات الصوتية لما حدث داخل القنصلية.
وقال العسيري للمحكمة، وفقا لتقرير كالامار، إنه لم يصدر أوامر باستخدام العنف ضد خاشقجي أثناء إعادته إلى السعودية.
وذكر التقرير أسماء تسعة من المتهمين الذين أكدت السلطات التركية أنهم بين الفريق الكبير المكون من 15 شخصا الذي أرسل إلى أسطنبول.
كما وصل أغلب أعضاء هذا الفريق إلى أسطنبول وغادروها على متن رحلات خاصة أو تجارية في نفس اليوم الذي قتل فيه خاشقجي.
ورصدت كاميرات المراقبة بعض أعضاء هذا الفريق أثناء نقلهم بالسيارات إلى القنصلية السعودية ثم نقل عدد منهم إلى منزل القنصل السعودي بعد ساعتين من وصول خاشقجي إلى مقر القنصلية.
وقالت كالامار إن ثلاثة على الأقل من أعضاء هذا الفريق شوهدوا وهم يدخلون منزل القنصل السعودي ومعهم ما يشبه أكياس قمامة علاوة على حقيبة ملابس واحدة على الأقل.
كيف كانت استجابة حلفاء السعودية في الغرب؟
أثار مقتل خاشقجي إدانة دولية للسعودية وكان سببا في أزمات دبلوماسية بينها وبين عدد من أكبر حلفائها في الغرب، في مقدمتهم الولايات المتحدة.
فبعد تأكيد مقتل خاشقجي من قبل السلطات السعودية، وصف الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب ما حدث بأنه “أبشع تستر على جريمة في التاريخ”. لكن ترامب دافع عن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، أبرز شركائها التجاريين.
وكان موقف الرئيس الأمريكي الجمهوري مثارا لسخرية عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين وجهوا أصابع الاتهام إلى محمد بن سلمان.
وقالت تقارير إعلامية إن المخابرات المركزية الأمريكية – التي استمعت مديرتها إلى التسجيلات الصوتية لمقتل الصحفي السعودي – توصلت إلى أن لديها “ثقة من متوسطة إلى عالية” في أن بن سلمان هو من أمر بقتل جمال خاشقجي.
ونفى ترامب ذلك، وخرقت إدارته القانون الذي يلزمها بنشر تقرير غير سري يتضمن الإشارة إلى قيام شخص ما بـ “إعطاء الأوامر والتوجيهات أو إتلاف الأدلة” في هذه القضية. وقال جو بايدن، الذي خلف ترامب في رئاسة الولايات المتحدة، إنه سوف يكشف عن هذا التقرير.
وفرضت الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة عقوبات على 18 سعوديا تدور حولهم شبهات بأنهم على صلة بمقتل خاشقجي ولم يكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من بينهم.
كما ألغت ألمانيا، وفنلندا، والدنمارك ودول أوروبية أخرى صفقات سلاح كانت قد أبرمتها مع السعودية بعد قتل خاشقجي.