دبي- مصادر نيوز
مثلت تصريحات وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، هالة السعيد، مؤخرًا بشأن تحقيق الناتج المحلي الإجمالي نموًا بـ9.8% خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2021/2022، وهو أعلى معدل في 20 عامًا، تأكيدًا على قدرة الاقتصاد المصري على التكيف مع تبعات وباء كوفيد-19، إلا أن ترجيحها وصول معدلات النمو في نهاية العام المالي إلى 5.7% يعد أكثر تفاؤلًا من توقعات صندوق النقد الدولي البالغة 5.2% فقط.
ويأتي ذلك على الرغم من تحديات عديدة تتمثل في استمرار تفشي كوفيد-19 وفرض عدة دول قيودًا على السفر من جديد خاصة بعد ظهور تحورات جديدة للفيروس سريعة الانتشار، حيث يتأثر الاقتصاد المصري بشكل كبير بمستجدات الأحداث الخارجية بسبب اعتماده في توفير موارد النقد الأجنبي على كل من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات وقناة السويس وتحويلات العاملين من الخارج، وجميعها مصادر وثيقة الصلة بالتطورات العالمية.
وبعد أن بدأ العالم في التقاط أنفاسه من الهلع المصاحب للوباء العالمي وتأثيره في الاقتصادات مع تسارع وتيرة إعطاء اللقاحات وإعلان فايزر وميرك الأميركيتين عن توصل كل منهما لعقار مضاد للفيروسات يمكن إعطاؤه لمرضى الوباء العالمي، أعلنت منظمة الصحة العالمية في نهاية الأسبوع الماضي أنها رصدت متحورًا جديدًا للفيروس يسمى أوميكرون ووصفته بالمثير للقلق.
وإلى جانب تأثر الاقتصاد العالمي بظهور أوميكرون، فإن ارتفاع التضخم في العديد من الدول وخاصة الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب ارتفاع أسعار السلع يشكل تحديًا آخر على متخذي القرار في مصر وضعه في الاعتبار ضمن التحديات التي تواجه الاقتصاد خلال النصف الثاني من العام المالي الجاري الذي ينتهي في يونيو/ حزيران.
وظهر أوميكرون لأول مرة في جنوب إفريقيا، بحسب ما أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية، وقد صنفت المتحور بأنه “مثير للقلق” نظرًا إلى المؤشرات الأولية التي تؤكد أنه يمكن أن يزيد من خطر إصابة الأشخاص الذين سبقت إصابتهم بالفعل، وعلى الرغم من عدم رصد حالات للمتحور الجديد في مصر فإن تفاقم انتشاره عالميًا سيؤثر في مؤشرات الاقتصاد.
النمو السنوي خلال 20 عامًا
بعد أن ساهمت الإصلاحات الاقتصادية في تحقيق الناتج المحلي المصري نموًا بـ 5.6% في العام المالي 2018/2019 والذي انتهي في يونيو/حزيران 2019 أي قبل إعلان الصين عن ظهور أول حالة لكوفيد-19 في نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، تراجع نمو الاقتصاد إلى 3.6% فقط في العام المالي التالي 2019/2020، واستمر تأثير الوباء في العام المالي 2020/2021 ليصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 3.3%.
إلا أن التوقعات الحكومية تشير إلى تحقيق معدلات نمو أكبر من مستويات قبل الوباء قد تصل إلى 5.7% فيما يبقي صندوق النقد الدولي ترجيحاته عند 5.2% فقط، ويرى أن مصر ستصل إلى معدلات ما قبل الوباء في 2022/2023 بينما ستتخطاها لتصل إلى 5.7% في العام المالي 2023/2024.
أكد الصندوق أن حالة عدم اليقين العالمية والدين العام المرتفع في مصر واحتياجات التمويل الإجمالية، تعتبر من المخاطر التي تواجه توقعات تعافي الاقتصاد من تبعات كوفيد-19، بحسب صندوق النقد الدولي في تقرير صادر خلال يوليو/ تموز الماضي.
ينبغي لمصر أن تستمر في تبني سياسات مالية ونقدية على المدى القريب تعمل على دعم الانتعاش مع الاستمرار في الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال تنفيذ أجندة إصلاحات هيكلية جديدة، بهدف مواجهة التحديات القائمة وتجنب تحقيق معدلات نمو ضعيفة في السنوات المقبلة.
ورصدت فوربس الشرق الأوسط معدلات النمو السنوي لمصر في السنوات الـ20 الماضية، لتظهر بيانات البنك المركزي المصري أنه على الرغم من تحقيق معدلات نمو بـ5.6% قبل كوفيد-19 في العام المالي 2018/2019، فإن المعدلات التي سجلها الناتج المحلي الإجمالي في العامين الماليين 2006/2007 عند 7.1% والعام المالي 2007/2008 عند 7.2% تبقى هي المعدلات السنوية الأعلى خلال العقدين الماضيين.
لم يتخط نمو الناتج المحلي الإجمالي حاجز الـ7% طيلة هذه السنوات، علمًا بأنه كان قد سجل 6.8% في العام المالي 2005/2006، وبالتالي فإن معدلات نمو قبل الوباء التي تطمح الحكومة في الوصول إليها وتخطيها هذا العام هي رابع أكبر معدل نمو سنوي على مدار 20 عامًا.
وتعتبر قطاعات تجارة الجملة والتجزئة، والاتصالات، والتشیید والبناء، والزراعة، والحكومة العامة من أھم القطاعات المساھمة في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر.
التقلبات الدولية ومصادر النقد
تعتبر التطورات العالمية مؤثرًا مهمًا في مؤشرات الاقتصاد المصري، خاصة مع اعتماده في توفير موارد النقد الأجنبي على كل من السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر والصادرات وقناة السويس وتحويلات العاملين من الخارج.
وتراجعت مساهمة صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد العام المالي الماضي إلى 1.3% فقط مقابل 2% في العام المالي 2019/2020 و2.7% في العام المالي 2018/2019 أي قبل تفشي كوفيد-19، علمًا بأن العام المالي في مصر يبدأ في يوليو/تموز وينتهي في يونيو/ حزيران.
وخلال الموجة الأولى من الوباء، توقفت السياحة على نحو مفاجئ، كما تسبب كوفيد-19 في نزوح أكثر من 15 مليار دولار من التدفقات الخارجة من المحافظ الاستثمارية خلال الفترة من مارس/آذار إلى أبريل/ نيسان 2020 حيث انسحب المستثمرون من الأسواق الناشئة باحثين عن الأمان.
لكن الإجراءات “الاستباقية والشاملة” التي اتخذتها الحكومة المصرية استجابةً للأزمة ساعدت في التخفيف من الآثار الصحية والاجتماعية مع استقرار الاقتصاد الكلي، وضمان القدرة على تحمل الديون، والحفاظ على ثقة المستثمرين، بحسب الصندوق.
كما هبطت حصيلة الصادرات المصرية في العام المالي 2019/2020 بنسبة 7.4% لتصل إلى 26.4 مليار دولار مقابل 28.5 مليار دولار في العام المالي 2018/2019، فيما استعادت مستويات ما قبل الوباء في العام المالي الماضي 2020/2021 لتصل إلى 28.7 مليار دولار بالتزامن مع إعادة فتح الاقتصادات.
شهدت عائدات السياحة تراجعًا حادًا بـ 50.5% في العام المالي 2020/2021 حيث وصلت إلى 4.9 مليار دولار مقابل 9.9 مليار دولار في 2019/2020، علمًا بأنها كانت قد سجلت 12.6 مليار دولار في العام المالي 2018/2019 أي قبل انتشار الوباء.
كما ارتفعت تحويلات العاملين في الخارج 13% في السنة المالية الماضية 2020/2021 إلى 31.4 مليار دولار مقابل 27.8 مليار دولار في 2019/2020، و25.15 مليار دولار في 2018/2019، بالتزامن مع بدء تعافي نشاط الأعمال في الخارج.
غير أن الاحتياطي الأجنبي لدي البنك المركزي المصري لايزال أدنى من مستويات قبل كوفيد-19 ، بنسبة 10.2% حيث بلغ 45.5 مليار دولار في فبراير/ شباط من عام 2020، علمًا بأن أول حالة من كوفيد-19 في مصر تم رصدها في مارس/ آذار من نفس العام، بينما تشير أحدث بيانات البنك المركزي المصري إلى أن سجل 40.85 مليار دولار في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
مخاطر التضخم ورفع الفائدة
تشهد الفترة الحالية حالة من عدم اليقين الاقتصادي خاصة مع تزايد الضغوط التضخمية وظهور متحور أوميكرون، حيث يواجه صناع السياسة النقدية اختيارات جديدة وصعبة، كما أن قوة الانتعاش الاقتصادي وحجم الضغوط التضخمية تختلف اختلافًا كبيرًا عبر البلدان، لذلك يجب أن تكون استجابات السياسات لارتفاع الأسعار مختلفة وفقًا لظروف كل دولة واقتصادها، بحسب المستشار المالي ورئيس إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي، توبياس أدريان.
ينبغي أن تستعد اقتصادات الأسواق الناشئة والدول النامية لزيادة أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة بسبب ضغوط التضخم حيث إن استجابة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمواجهة التضخم من المحتمل أن تخلق صعوبات في اقتصادات أخرى من العالم، كما أضاف أدريان في مدونة نشرها صندوق النقد الدولي اليوم الجمعة.
من جهته علق هاني توفيق، الخبير الاقتصادي في تصريحات لفوربس الشرق الأوسط أن الضغوط التضخمية العالمية ستطال الاقتصاد المصري، خاصة في حالة زيادة أسعار الفائدة عالميًا حيث سيؤدي ذلك إلى حالة من الهلع العالمي بين المستثمرين.
“سيضطر البنك المركزي المصري إلى رفع سعر الفائدة للسيطرة على هروب الأموال الساخنة من السوق إلى الملاذات الآمنة بالخارج بالتزامن مع زيادة أسعار الفائدة عالميًا لمواجهة ارتفاع الأسعار وضغوط التضخم،” كما أضاف توفيق.
ارتفع معدل التضخم السنوي في مصر لإجمالي الجمهورية إلى 7.3% خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مقابل 4.6% لنفس الشهر من العام الماضي، لكن صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع متوسط التضخم في مصر إلى 6.3% على مدار العام المالي الجاري 2021/2022 على أن يواصل الارتفاع إلى 7.1% في العام المالي المقبل 2022/2023 ليسجل نفس الرقم حتى 2024/2025
كان متوسط معدل التضخم في مصر قد ارتفع بشكل حاد خلال العام المالي 2016/2017، بالتزامن مع تعويم الجنيه الذي تم في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث سجل متوسط التضخم 23.5%.
صعود معدلات البطالة
ارتفعت معدلات البطالة في مصر إلى 9.3% في العام المالي 2020/2021 من 8.3% في العام المالي 2019/2020، ما يمثل أول صعود لمعدلات البطالة منذ عام 2013/2014 حيث سجلت مستوى قياسيًا عند 13.4% ومنذ هذه الذروة أخذت البطالة في التراجع على مدار السنوات الست حتى 2019/2020 بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها مصر قبل أن تأتي الجائحة وتصعد بالبطالة من جديد.
وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، صعد معدل البطالة خلال الربع الثالث من 2020 الممتد يوليو/ تموز إلى سبتمبر/أ يلول إلى 7.5% من قوة العمل مقابل 7.3% في الربع المقابل من العام الماضي، وأيضًا في الربع الثاني من العام الجاري.