دبي- مصادر نيوز
يرى محللون أن اقتصاد مصر أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان، لن يفلت من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، خاصة وأنها بلد مستوردة للعديد من السلع الأساسية اللازمة لمعيشة المواطنين يومياً مثل الوقود والقمح والذرة وأعلاف الماشية، فكيف ستتأثر مصر من تلك الأزمة؟
“الحرب الروسية على أوكرانيا ستؤثر سلباً على الاقتصاد المصري، فارتفاع أسعار النفط العالمية لأكثر من 100 دولار للبرميل سيؤدى إلى زيادة أسعار المحروقات في مصر، وبالتبعية سيؤثر سلباً على كل القطاعات المحلية وارتفاع أسعار جميع السلع”، بحسب آية زهير محللة الاقتصاد المصري في “زيلا كابيتال”، وفقا للشرق.
قفزت أسعار النفط، اليوم الإثنين، مع دخول أسواق الطاقة والسلع في حالة من الفوضى، بعد أن فرضت الدول الغربية المزيد من العقوبات لعزل روسيا في أعقاب غزوها لأوكرانيا، صعدت العقود الآجلة في لندن بأكثر من 7% قبل أن تتراجع قليلاً لتتداول قرب 102 دولار للبرميل.
ارتفاع التضخم
ترى رضوى السويفي من شركة “الأهلي فاروس” أن معدلات التضخم سترتفع بمصر لتصل إلى 8% خلال هذا العام… الأسواق الناشئة ستواجه أيضاً ارتفاعاً في عوائد تأمين الدين لديها بجانب ارتفاع العوائد على إصداراتها من السندات والأذون”.
ارتفع تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية، على أساس سنوي، إلى 7.3% خلال يناير، فيما كان هذا الارتفاع بلغ 5.9% لشهر ديسمبر 2021، يعد معدل التضخم المسجل في المدن المصرية خلال شهر يناير هو الأعلى منذ 31 شهراً، عندما بلغ 7.5% في أغسطس 2019.
يبلغ مستهدف البنك المركزي المصري للتضخم 7%، تزيد نقطتين مئويتين أو تنقصهما حتى نهاية 2022. وكان التضخم في مصر قفز بعد أن حررت الدولة سعر صرف الجنيه في نهاية 2016.
لكن زهير تتوقع أن يقفز التضخم في مصر إلى ما بين 9 و10% في ظل تلك الأزمة.
إلى ذلك تقول السويفي إن مصر قد تشهد أيضاً زيادة في عجز الميزانية خلال هذا العام وسط تراجع إيرادات السياحة المتوقع وزيادة بند الدعم الحكومي.
ارتفع العجز الكلِّي في مصر خلال أول 7 أشهر من السنة المالية الحالية 2021-2022 إلى 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 4.4% للفترة نفسها من السنة المالية الماضية، بضغط من زيادة المصروفات، خاصة فوائد الدين والدعم الحكومي، وفقاً لبيانات صادرة عن وزارة المالية المصرية.
إلى ذلك تتوقع الحكومة المصرية خفض العجز الكلِّي بموازنة السنة المالية 2021-2022 إلى 6.7% من 7.4% قبل عام، وزيادة النمو الاقتصادي إلى 6.3-6.5% مقابل 3.3%، وتبدأ السنة المالية في مصر في الأول من يوليو حتى نهاية يونيو.
ولخفض التأثيرات السلبية على الاقتصاد المصري والميزانية الحالية، رفعت مصر أسعار المرور في قناة السويس 10% بداية من غد الثلاثاء الأول من مارس، لتكون بذلك رفعت أسعار المرور لنحو 16% خلال 2022 حتى الآن.
القناة هي أقصر طرق الشحن بين أوروبا وآسيا، وتُعدُّ إيراداتها أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر.
الحبوب
“نستورد ما يقرب من 50% من استهلاكنا من الحبوب (القمح والذرة وغيرها)، ونحن نراقب عن كثب أسعار السلع كالنفط والقمح والذرة، وتكاليف العلف الحيواني وأسعار الشحن…إذا استمر الوضع الحالي بالتأكيد لن يكون جيداً لمصر، بسبب التأثير على القطاع السياحي”، بحسب آلن سانديب، رئيس البحوث في “نعيم” المصرية.
وصلت أسعار القمح قرب أعلى مستوى لها منذ أكثر من 13 عاماً، حيث سجلت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو مكاسب بنسبة 8.7% لتصل إلى 9.34 دولار 3/4 للبوشل، بينما ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 5%، وارتفع فول الصويا بنسبة 3.9%، وزاد زيت النخيل في كوالالمبور بنسبة 5.1%.
“الأسواق البديلة لواردات القمح إلى مصر عقب الأزمة الروسية الأوكرانية المتوافق بشأنها تشمل الولايات المتحدة وفرنسا ورومانيا وكازاخستان وألمانيا، كلها دول يتوافق إنتاجها من القمح مع المواصفات المصرية الخاصة بدرجة الرطوبة”، بحسب إبراهيم عشماوي مساعد أول وزير التموين المصري في مقابلة مع “الشرق”.
استبعد عشماوي حدوث “أزمة إمداد فيما يتعلق باستيراد مصر للقمح من الخارج… لدينا توافق مع عدد من الأسواق المنتجة للقمح يصل عددها إلى 14 دولة بخلاف روسيا وأوكرانيا”.
تهدف مصر، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، لشراء كميات أكبر من القمح المحلي هذا العام لخفض فاتورة وارداتها في ظل زيادة الأسعار العالمية، ورفعت سعر توريد “أردب” القمح المحلي 14% إلى 820 جنيهاً في 2022. علماً أن الأردب يساوي 150 كغم.
زرعت مصر 3.62 مليون فدان من القمح في الموسم الحالي 2022، وهي الأكبر على الإطلاق في تاريخها.
إلى ذلك قال عشماوي إن “84% من واردات مصر من القمح البالغ مجملها 12.5 مليون طن قبل الأزمة كان يأتي من روسيا وأوكرانيا، هناك احتياطي آمن من القمح لدى مصر يكفي 4.5 شهر”.
عجز الموازنة
“نتيجة للارتفاعات المستمرة في أسعار البترول العالمية، نتوقع أن يرتفع عجز الموازنة الكلي في العام المالي الحالي إلى 7% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، من توقعات سابقة عند 6.2%”، بحسب إيهاب رشاد من “مباشر كابيتال”.
وتابع رشاد أنه في “حال استمرار أسعار البترول عند مستوياتها الحالية، فمن الممكن أن تتم مراجعة سقف الزيادة أو النقص الخاص بآلية التسعير التلقائي ليتراوح ما بين ±15-20% بدلاً من سقف 10% حالياً، لتمرير نسبة أكبر من الزيادة للمستهلك وتقليل الضغط على مصروفات الموازنة، وقد تتم المراجعة بشكل مؤقت حتى انحسار موجة الارتفاعات في أسعار البترول.
عدّلت مصر أسعار بيع منتجات البنزين بأنواعه الثلاثة في وقت سابق من هذا الشهر، لتصبح 7.25 جنيهاً للتر بنزين 80، و8.50 جنيهاً للتر البنزين 92، و9.50 جنيهاً للتر بنزين 95، أي بزيادة 25 قرشاً للتر.
هذه الزيادة، الرابعة على التوالي، جاءت بقرار من لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المعنية بمتابعة وتنفيذ آليات تطبيق التسعير التلقائي للمنتجات البترولية بشكل ربع سنوي، والتي أوصت بتعديل الأسعار الحالية السائدة في السوق المحلية للربع الحالي من يناير حتى مارس 2022، لكنَّها ثبّتت سعر السولار عند 6.75 جنيه للتر.
تعتمد مصر سعر برميل النفط في ميزانية العام المالي الحالي 2021-2022 عند 65 دولاراً، في حين وصلت الأسعار العالمية لأكثر من 88 دولاراً، مما ينعكس عجزاً في الدعم المُقدّر بنحو 18 مليار جنيه للمواد البترولية هذا العام. لكن قد يخفف العبء بعض الشيء ارتفاع صادرات البلاد من الغاز المسال.
إلى ذلك قال رشاد إن “ما يحدث الآن صدمة مؤقتة لا يمكن البناء عليها لفترة مستقبلية حتى تتضح الرؤية… دعنا ننتظر ونرى المزيد مما يحدث”.