دبي- مصادر نيوز
سرّعت دولة الإمارات العربية المتحدة خطة لاستثمار مليارات الدولارات في مصر سعياً منها لدرء الصدمات الاقتصادية جرّاء الحرب في أوكرانيا التي قد تزعزع استقرار أكبر دولة عربية من ناحية عدد السكان.
كمستوردة رئيسية للغذاء؛ تأثرت مصر بشدة بارتفاع أسعار الحبوب لمستويات قياسية بسبب الغزو الروسي. تعد مصر واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط مديونية، وهي تشتري معظم القمح من روسيا وأوكرانيا، وتستخدم هذه الإمدادات لبرنامج دعم أساسي يوفر الخبز الرخيص لـسبعين مليون مواطن.
أفادت “بلومبرغ نيوز” خلال الأسبوع الماضي أنَّ الإمارات ستستثمر حوالي ملياري دولار عبر شراء حصص مملوكة للدولة في شركات مصرية. جاء ذلك فيما ناقش قادة مصر والإمارات وإسرائيل الطاقة والأمن الغذائي خلال اجتماع نادر.
لأسعار الخبز تاريخٌ سياسي حساس في مصر؛ فقد أثارت محاولة في أواخر السبعينيات من قبل الرئيس أنور السادات لإنهاء الدعم عن المواد الغذائية الأساسية اضطرابات خلّفت أكثر من 80 قتيلاً. لذلك لجأت الحكومات منذ ذلك الحين إلى حلول بديلة مثل تقليص حجم الأرغفة.
وقال مصدر مطلع على التوجّه الإماراتي إنَّ البلاد تقدّمت للاستثمار بعد أن أعربت مصر عن مخاوفها بشأن الأمن الغذائي، كما أنَّ أبوظبي تعتبر ذلك قضية أساسية للرئيس عبد الفتاح السيسي. يُذكر أنَّ الدولة الخليجية أيّدت إطاحة السيسي برئيس إسلامي وصل إلى السلطة في أعقاب انتفاضات الربيع العربي قبل عقد من الزمن.
ترتبط الصفقات إلى حد كبير بـ”قلق الإمارات بشأن الأمن الاقتصادي المصري، وبالتالي؛ أمن النظام، بالنظر إلى الصدمة الجيوسياسية الناجمة عن الحرب في أوروبا”، بحسب قول رايان بوهل، محلل لشؤون الشرق الأوسط في “ستراتفور ورلدفيو”، وهي منصة استخبارات جيوسياسية. ويرى بوهل أنَّ الخطوة الإماراتية هي إجراء استباقي.
حماية من الصدمات
بات القمح الآن أغلى مما كان عليه في عام 2008 عندما شهد العالم أعمال شغب ومظاهرات بسبب الغذاء. وينبغي لمصر تفادي أي استياء مشابه، حيث يعيش حوالي نصف سكانها بالقرب من خط الفقر أو دونه وفق ما حدده “البنك الدولي”.
يقول بوهل: “الصدمة الاقتصادية التي تعرّضت لها القاهرة واضحة كالنهار لأبوظبي وربما الرياض أيضاً.. ففي النتيجة؛ ساهمت أسعار المواد الغذائية في حدوث الربيع العربي، وليس لدى أبوظبي أي مصلحة في تكرار ذاك التاريخ”.
قال شخص آخر مطلع على المناقشات إنَّ الصفقات كانت قيد المناقشة قبل الحرب الأوكرانية. لكنَّ الجانبَين سرّعا محادثاتهما بعد أن زعزع القتالُ الاقتصاد العالمي. وأضاف أنَّ الإمارات تعتبر مصر -بتعداد سكانها الهائل وجيشها الذي هو من بين أقوى جيوش الشرق الأوسط- ذات أهمية استراتيجية.
قال السيسي هذا الأسبوع: “نحن نتعامل مع تحديات ومطالب”، وحثّ الناس على تقليل الاستهلاك قبل شهر رمضان المبارك الذي ترتفع خلاله مبيعات المواد الغذائية، قائلاً: “في دولة يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة؛ فإنَّ هذا ليس بالأمر السهل ويتطلّب التخطيط، من شحنات القمح إلى توفير الخبز للناس”.
في محاولة لحماية اقتصادها من الصدمات العالمية، رفعت مصر أسعار الفائدة، وتركت عملتها تنخفض، وفرضت إجراءات اقتصادية صارمة، وطلبت دعم “صندوق النقد الدولي”. كما أعلنت عن تخفيضات ضريبية بقيمة 7 مليارات دولار وزيادة في الإنفاق الاجتماعي.
يردد مذيعو التلفزيون المصريون موقف الحكومة، ويحثون الناس على عدم الشراء تحت تأثير الفزع وعدم الإنفاق على “التوافه”.
تقول متسوّقة مصرية تدعى هناء محمود، وهي تشتري من البقالة في إحدى الأسواق في ضواحي القاهرة: “يريدون منا أن نخفّض الاستهلاك؟ في الواقع، كنا نفعل ذلك منذ عام 1997!.. أنا الآن أطهو وجبة جيدة مرة في الأسبوع، وبقليل من البروتين لأطفالي.. لكنَّني حرفياً أسحب الطعام من فمي لإطعام أطفالي”.
يرى المحلل بوهل أنَّه من غير المرجح أن يقدّم المجتمع الدولي مساعدة كافية لمساندة برامج الدعم المصرية، ويعتقد أنَّه “إما تُقدّم الإمارات وربما السعودية الدعم الاقتصادي، أو تُترَك القاهرة لامتصاص صدمات غزو أوكرانيا بمفردها”.