دبي- مصادر نيوز
نقص الطروحات العامة الأولية عالمياً يدفع المصارف الكبرى لنقل الموظفين أو تعزيز فرقهم بالإمارة
في عام شهد أسوأ ركود في الطروحات العامة الأولية منذ الأزمة المالية العالمية، كانت بنوك الاستثمار التي تغطي صفقات في الشرق الأوسط أكثر نشاطاً من أي وقت مضى، وفقا لـ بلومبرغ .
ومع تناقص الإدراجات في أسواق لندن وهونغ كونغ ونيويورك، برزت الإمارات والسعودية كنقاط نشطة جديدة للاكتتابات العامة الأولية مؤخراً بدعم من أسعار النفط المرتفعة والتدفقات الداخلة من المستثمرين. وبلغ حجم ما جمع من هذه الطروحات في المنطقة 22.5 مليار دولار العام الجاري، أي أكثر من نصف الحصيلة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. كما أن الطلب من المستثمرين كان قوياً، حيث جذب الإدراج المزدوج لـ”مطاعم أمريكانا” 105 مليارات دولار من الطلبات في الاكتتاب، رغم أن قيمة الطرح كانت 1.8 مليار دولار.
للتعامل مع فورة النشاط، استعانت البنوك العالمية بالفرق الخاملة في أماكن مثل لندن للمساعدة، وذلك عبر نقل الموظفين أو التوسع. ويقضي كبار المصرفيين في بنكي “غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان تشيس آند كو” والمتخصصين في الاكتتابات العامة الأولية في الأسواق الناشئة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا مزيداً من الوقت في المنطقة. وعيّن أكبر بنك في دبي، الإمارات دبي الوطني، ثلاثة مصرفيين لتغطية الطروحات، وفقاً لأشخاص مطلعين. كما عزز “سيتي غروب” فريقه المصرفي الاستثماري الإقليمي بنحو 50% خلال العامين الماضيين.
أهمية متزايدة للشرق الأوسط
خلال مقابلة حديثة مع تلفزيون بلومبرغ مؤخراً، قال ميغيل أزيفيدو، رئيس قسم الصيرفة الاستثمارية لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في “سيتي غروب”: “نرسل متخصصين دائماً، وأستطيع أن أؤكد تماماً أن المنطقة أصبحت الوجهة المفضلة لمعظم زملائي خلال الـ12 شهراً الماضية”. فيما رفض ممثل عن “الإمارات دبي الوطني” التعليق.
ازدادت أهمية النشاط في منطقة الشرق الأوسط –التي شهدت 42 طرحاً خلال ما يزيد قليلاً عن 11 شهراً بالنظر إلى جمود الطروحات الجديدة تقريباً في المراكز المالية الأخرى التي تشهد أسواقها تقلبات وارتفاعاً في أسعار الفائدة على الصفقات. جاءت 8 من أكبر 10 طروحات أولية في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا من الخليج، ما وضع المنطقة على مسار تسجيل ثاني أفضل عام لمبيعات الأسهم بعد 2019 الذي شهد طرح “أرامكو” القياسي بقيمة 29.4 مليار دولار. ولا تبدي طفرة الطروحات أي علامات على التراجع.
اختارت شركة “بترول أبوظبي الوطنية” المعروفة بـ”أدنوك” بنوك “غولدمان ساكس”، و”بنك أوف أميركا”، و”بنك أبوظبي الأول”، كمنسقين عالميين مشتركين للاكتتاب العام الأولي لشركة الغاز الطبيعي التابعة لها العام المقبل، حسبما نقلت “بلومبرغ” الأسبوع الجاري، ويُتوقع أن يكون واحداً من أكبر الإدراجات في تاريخ أبوظبي.
تراجع لندن وأوروبا
في غضون ذلك، تشهد لندن أسوأ عام لها منذ 2009. وقال مصرفي استثماري مقيم في العاصمة البريطانية مازحاً إن معظم زملائه المحليين الذين يتولون عمليات الاكتتاب العام الأولية إما يجلسون بالحانات أو في دبي هذه الأيام.
الأمور ليست أفضل بكثير في أوروبا كذلك، حيث جرى تأجيل العديد من الطروحات هناك بسبب تقلبات السوق، ومنها: الإدراج البالغة قيمته مليارات الدولارات لذراع الطاقة المتجددة التابعة لشركة “إيني”، وإدراج شركة شحن السيارات الكهربائية لشركة “ايه بي بي” (ABB) بقيمة 750 مليون دولار.
على الصعيد العالمي، انخفض المبلغ المجموع من الاكتتابات العامة الأولية العام الجاري بنسبة 68% مقارنة بالعام السابق، وهو أسوأ انخفاض سنوي منذ 2008 عندما انخفضت الطروحات 73%، وفق بيانات جمعتها “بلومبرغ”.
رفض الرسوم الهزيلة
رغم العمل على صفقات الشرق الأوسط على مدار الساعة، فإن ازدهار الطروحات العامة الأولية لم يترجم إلى طفرة في رسوم المستشارين. دفعت “أمريكانا” حوالي 194.4 مليون ريال (51.7 مليون دولار) كرسوم إجمالية، أي 2.9% كمصاريف طرح مقابل إدراجها المزدوج البالغ 1.8 مليار دولار في الرياض وأبوظبي. ودفعت شركة “أرامكو السعودية لزيوت الأساس” (لوبريف) 85 مليون ريال (22.6 مليون دولار) أو ما يعادل 1.7% كرسوم مقابل طرحها البالغ 1.3 مليار دولار.
في الولايات المتحدة، يناهز متوسط الرسوم 5 أضعاف ذلك. تقاسمت بنوك تضم “غولدمان ساكس” و”جيه بي مورغان” 60 مليون دولار تقريباً من الرسوم التي حصلتها بعد مساعدة شركة “بيلوتون إنتراكتيف” (Peloton Interactive Inc) على جمع 1.2 مليار دولار في 2019.
قال أحد كبار التنفيذيين في فرع لندن التابع لشركة مالية، وطلب عدم الكشف عن هويته، إن بنكه بدأ يرفض قبول رسوم منخفضة من العملاء في الشرق الأوسط ولن يعمل على الطروحات التي تولد مدفوعات أقل من 5 ملايين دولار.
قال مصرفي آخر في شركة أميركية إنه رغم وضع الكثير من البنوك حداً أدنى للرسوم، هناك دائماً استثناءات اعتماداً على نوع الصفقة. المصرفي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أضاف أن بنوكاً كثيرة تلاحق عميلاً واحداً، وبعضها يعرض العمل مجاناً لبناء امتيازها التجاري.
يُصنف “إتش إس بي سي هولدينغز” حالياً كأفضل مُنظّم للاكتتابات العامة الأولية في الشرق الأوسط، بحصة سوقية تبلغ 16%، تليه المجموعة المالية “إي اف جي هيرميس”، و”غولدمان ساكس”، وفقاً لتصنيف “بلومبرغ” للبنوك الاستثمارية (Bloomberg League Tables).
تخفيضات عالمية للوظائف
في علامة على مدى جفاف نشاط الصفقات العالمي في القطاع المالي الأوسع نطاقاً، تقلص بنوك كبرى مثل “مورغان ستانلي”، و”غولدمان ساكس”، و”سيتي غروب” وظائف الخدمات المصرفية الاستثمارية، بما في ذلك المتخصصين في أسواق رأس المال في أماكن مثل آسيا.
في هونغ كونغ، انخفضت عائدات الطروحات العامة الأولية 69% نتيجة معاناة السوق من تأثير سياسة (صفر كوفيد) في الصين وأزمات سوقها العقاري.
على النقيض من ذلك، يجتذب الشرق الأوسط مزيداً من الاهتمام والمصرفيين ويستحوذ على تدفق الأموال. يتوسع عدد متزايد من صناديق التحوط في دبي، فيما تفقد المراكز المالية الأخرى مثل هونغ كونغ جاذبيتها. وتجلب البنوك الأميركية الكبرى بانتظام مديري الصناديق إلى السعودية والإمارات للتواصل مع عدد كبير من الشركات التي تتطلع إلى طرح أسهمها للجمهور.
جوكول ماني، رئيسة أسواق الأسهم بالأسواق الناشئة في “جيه بي مورغان” تقول إن المنطقة “تسيطر على اهتمام أغلب كبار المديرين” في البنك، و”نرى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأسواق الناشئة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا كأولوية أساسية، ومن الواضح أننا نقضي مزيداً من الوقت هناك”.
آندي كيرنز، رئيس قسم أسواق رأس المال في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لدى “هوليهان لوكي” (Houlihan Lokey)، قال إن الشركة وسعت مؤخراً قسم أسواق رأس المال في الشرق الأوسط، وستستعين بمصرفيي أسواق رأس المال الأوروبيين لملاحقة صفقات الاكتتابات العامة الأولية الإقليمية.
طروحات أولية مخيبة للآمال
مع ذلك، تظهر دلائل على أن بعض الحماس الأولي للإدراجات الجديدة بدأ يتلاشى، مع تعرض الطروحات الأولية في السوق مؤخراً لاستقبال فاتر.
حالياً، تتداول 3 من 5 إدراجات عامة في دبي بأقل من سعر إدراجها، وهو أمر مخيب للآمال بالنظر إلى الحملة التي تهدف إلى تنشيط أسواق رأس المال في الإمارة. ومؤخراً تراجعت شركة إدارة المدارس الخاصة “تعليم القابضة، بنسبة 15% في أول يوم تداول لها رغم جذبها طلبات اكتتاب قيمتها 3.7 مليار دولار على طرحها البالغ 204 ملايين دولار.
وفي السعودية، أدى بيع صندوق الاستثمارات العامة لحصة في سوق الأسهم السعودية قيمتها 610 ملايين دولار إلى تكبيد المستثمرين خسائر كبيرة، إذ انخفضت الأسهم بنحو 20% عن سعر الطرح.
أسعار النفط تُفقد الأسهم السعودية ريادتها العالمية في 2022
قال سامر ديغالي، الرئيس الإقليمي المشترك للتمويل الرأسمالي وخدمات الصيرفة الاستثمارية في “إتش إس بي سي”: “بشكل عام، هناك نبرة أكثر حذراً من المستثمرين تجاه الأسهم المتداولة والطروحات قيد الإعداد.. وبعض الشركات التي تتطلع للسوق العامة تعيد النظر في خططها وتدرس ما إذا كان ينبغي عليها الانتظار وما إذا كانت التقييمات ما تزال عند مستوى مناسب أم لا”.
فشلت طفرة النشاط في تحقيق التأثير المطلوب على المدى الطويل، والمتمثل في تعميق أسواق الأسهم بالمنطقة. ففي دبي على سبيل المثال بلغ حجم الأسهم المتداولة من بداية العام الجاري أدنى مستوياته منذ 2011 وأقل بكثير من المتوسط السنوي منذ 2003، والبالغ 52 تريليون سهم.
وفي المملكة العربية السعودية، يقترب متوسط الأحجام السنوية على مؤشر “تداول” العام من أدنى مستوياته منذ 2019.
لا تباطؤ في الأفق
لكن على الأقل في الوقت الحالي، ما يزال الطلب قوياً –خاصة بين المستثمرين المحليين– مع بيع أغلب الطروحات بالنطاق السعري الأعلى وتغطية الطروحات خلال ساعات.
تعود زيادة الطلب على الطروحات لتوزيعات الأرباح الجذابة، وتوافر الاستثمار الممول بالديون، ولشح الصفقات في أماكن أخرى. عادة تُخصص للمشترين الدوليين نسبة تتراوح بين 15% و30% من الأسهم المتاحة، ما يعني أن بعض مديري المحافظ يتلقون القليل جداً من الأسهم التي يتعين عليهم بيعها.
قال صلاح شما، مدير استثمار الأسهم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة “فرانكلين تمبلتون” (Franklin Templeton)، الذي يعيش في دبي: “نتمنى اجتذاب مشاركة أعلى أو مخصصات أعلى للمستثمرين الدوليين خاصة في المؤسسات التي تستثمر لأجل أطول بطبيعتها، لأن ذلك سيساعد على الترويج للمنطقة ويعزز السيولة”.
رغم الظروف غير المواتية، تتوقع معظم البنوك الأميركية الكبرى أن يتواصل ازدهار الطروحات العامة الأولية حتى العام المقبل، مع نمو الطلب على الأصول الإقليمية. يعمل “غولدمان ساكس” على العديد من الصفقات التي قد ترى النور في الأشهر الاثني عشر المقبلة، فيما يتوقع “سيتي غروب” حوالي 10 إدراجات أخرى.
قالت أندريه شختورة، رئيسة الخدمات المصرفية الاستثمارية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “بنك أوف أميركا”: “لا أتوقع تباطؤ النشاط على الأقل خلال الـ12 إلى 18 شهراً المقبلة، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد ذلك.. لكن حتى الآن -وبالنظر إلى الصفقات قيد الإعداد، وما هو آتٍ ونعرف أنه آت- لا أرى أي تباطؤ”.