دبي-مصادر نيوز
عندما أُعلن عام 2010 فوز قطر باستضافة بطولة كأس العالم 2022؛ ربما لم يكن بمقدور غالبية مشجعي كرة القدم تحديد موقع الدولة على الخريطة، وفقا لـ بلومبرغ.
يستضيف البلد الخليجي المباراة النهائية للبطولة يوم الأحد بين الأرجنتين وفرنسا، ويُتوقّع أن يشاهدها نصف سكان العالم.
يأتي ذلك تتويجاً لواحدة من أكثر الحملات التسويقية كلفة في التاريخ، استغرقت عشر سنوات أنفق فيها 300 مليار دولار، وطالتها موجة من الجدل.
فهل كان الحدث الرياضي يستحق كل هذا العناء؛ حتى بالنسبة لدولة تتمتع بأموال وفيرة؟
يرى المنظمون -وخاصة “الفيفا”- الأمر على أنَّه نجاح تام؛ فهناك جمهور تلفزيوني قياسي، ومشجعون سعداء، وعلامة تجارية لامعة. لكن مهما كانت القوة الناعمة التي اكتسبتها قطر من البطولة؛ فإنَّ عودة إيقاع الأمور إلى وضعه الطبيعي ستكون بمثابة سكون “ملحمة”.
مكانة قطر
بعد شهر من وصول أكثر من 700 ألف مشجع إلى الدوحة، ستعود قطر لتصبح فارغة نسبياً. بدأ المشجعون بالعودة إلى بلادهم، وكذلك فعلت أعداد كبيرة من العمال الوافدين.
كما يشعر وكلاء العقارات بالقلق من أنَّ المباني السكنية ستظل غير مكتملة التشييد، في حين أنَّ الفنادق ستكون وافرة الغرف، ولن يتم استخدام عدة ملاعب مرة أخرى.
ثم هناك المكانة الدولية لقطر التي تزوّد أوروبا بحوالي ربع حاجتها من الغاز الطبيعي المسال لفصل الشتاء. فقبل أن يتحول التركيز إلى دراما ومفاجآت كأس العالم على أرض الملعب، واجهت البلاد انتقادات بشأن حقوق العمال الوافدين وبغض رموز المثلية، وهي أمور لا يرجّح أن تختفي.
خلال هذا الأسبوع، تصدّرت قطر عناوين الأخبار غير المتعلقة بكأس العالم من خلال فضيحة فساد في “الاتحاد الأوروبي” تنطوي على مزاعم رشوة. وفي الشهر المقبل تبدأ دعوى قضائية ستعيد تسليط الضوء على كيفية إرساء استضافة أحد أكبر الأحداث الرياضية على دولة صغيرة، في واحدة من أكثر المناطق سخونة في العالم. تم تقديم عريضة في الولايات المتحدة تتهم العديد من المسؤولين بتلقي المال لدعم عرض قطر لاستضافة الحدث. لكنَّ الدولة تنفي دفعها المال لأي شخص مقابل حصولها على حقوق الاستضافة.
فوائد طويلة الأمد
“ستكون هناك بعض الفوائد طويلة الأمد للسكان في قطر” وفق قول كريستينا فيليبو، وهي من كبار المحاضرين بالتمويل الرياضي في “جامعة بورتسموث” بالمملكة المتحدة. وتضيف: “إذا كان الهدف إبراز قطر للعالم، فهناك بعض الجوانب التي تعزز السمعة بكلفة أقل.. لقد كانت حملة إعلانية باهظة الثمن، ولست متأكدة من أنَّها كانت ناجحة للغاية”.
ما من شك في أنَّ قطر أحرزت تقدّماً في مجال حقوق العمال بعد تدقيق قام به نشطاء. وقبل شهر من انطلاق البطولة في 20 نوفمبر، أبلغ الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المشرّعين أنَّ بعض الانتقادات كانت مفيدة لتنمية البلاد. لكنَّه رد أيضاً على ما أسماه “حملة غير مسبوقة” مليئة “بالافتراءات والمعايير المزدوجة” ودوافع مشكوك فيها.
سلّطت الاستعدادات لكأس العالم الضوء على “نظام الكفالة” للعمال الأجانب في منطقة الخليج. ورغم أنَّ بعض الجدل حول حقوق الإنسان في قطر قد تلاشى منذ بدء البطولة؛ هناك مجموعات تدافع عن العمال الوافدين تقول إنَّ الضغط يجب أن يستمر.
تقول إيزوبيل آرتشر، مديرة برنامج الخليج في “مركز موارد الأعمال وحقوق الانسان” في لندن: “يجب ألا تكون نهاية البطولة بمثابة إشارة إلى انتهاء التدقيق.. فعلى الرغم من دفع (الفيفا) والحكومة القطرية مراراً وتكراراً بالسردية القائلة إنَّ إصلاحات العمل هي المبتغى؛ نعلم من العمال أنفسهم أنَّ هناك تقصير شديد في التنفيذ”.
تغيير المدينة
يتمثل هدف قطر طويل الأمد في أن تؤدي البطولة إلى تحديث صورتها وجعلها وجهة سياحية وتجارية على قدم المساواة مع منافستها الإقليمية دبي. هذا الأمر ليس جديداً. حيث يُنظر كثيراً إلى الأحداث الرياضية الكبرى كعوامل محفّزة لتحوّل المدن.
كان يُنظر إلى دورة “أولمبياد برشلونة” عام 1992 على أنَّها قصة نجاح رياضية نموذجية عززت البنية التحتية والسياحية، وهي أمور كانت المدينة الإسبانية بأمس الحاجة إليها قبل ذاك. لكن بعد تلاشي الضجيج -تماماً كما حدث بعد “أولمبياد أثينا” و”بطولة أمم أوروبا” في البرتغال بعد سنوات- برزت الانتقادات بشأن الزيادات الكبيرة في التكاليف، والمبالغة في تقدير المنافع الاجتماعية.
قد تكون الفائدة الاقتصادية لاستضافة بطولة كأس العالم التي تُقام كل أربع سنوات وهماً هي الأخرى، في ظل عدم وجود تعزيز اقتصادي واضح يتّبع الحدث مباشرة، بحسب بحث من “جامعة سري” في المملكة المتحدة.
قطر لا تختلف عن ذلك. فحتى قبل انتهاء كأس العالم، تنتشر مبانٍ شاغرة في مناطقها التجارية والسكنية. وفقاً للمنظمين؛ زار حوالي 765 ألف مشجع البلاد خلال أول أسبوعين من البطولة؛ أي أقل من 1.2 مليون شخص كانت قطر تأمل قدومهم.
مع ذلك؛ لم يشعر الكثيرون من الذين قاموا بالرحلة بخيبة أمل. إذ تخللت البطولة نتائج مفاجئة؛ مثل فوز السعودية على الأرجنتين، وخروج ألمانيا المبكر، وخسارة البرازيل في ربع النهائي أمام كرواتيا، وتأهل المغرب إلى نصف النهائي؛ بالإضافة إلى الراحة بسبب أنَّ المنافسة تقام في مدينة واحدة.
يقول جيسون دالي، المواطن الأميركي الذي حضر كل بطولات كأس العالم منذ عام 2006، ويدير حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تنشر معلومات حول البطولة: “رائع أن تكون قادراً على رؤية جميع الثقافات والأشخاص المختلفين.. فهذه البطولة ملائمة للأسرة أكثر.. ومقارنة بالبطولتين الأخيرتين من نهائيات كأس العالم، كانت سهولة المرور عبر الأمن والدخول إلى الملاعب سلسة بشكل لا يصدق”.
ما بعد المونديال
لا يتضح كيف ستظل قطر جذّابة للسياح. فبعد مغادرة الفائزين من “مطار حمد الدولي” -الذي يضم مجمّعَ حدائق استوائية داخلية- سيتحوّل انتباه العالم بسرعة إلى أماكن أخرى.
من المقرر أن يفتتح نادي “ريال مدريد” لكرة القدم منتزهاً يحمل علامته التجارية العام المقبل، وستكون فيه ألعاب، ومتحف، ومتاجر لبيع القطع التذكارية. يعتبر المنتزه نقطة جذب سياحية مثالية بعد كأس العالم، لكنَّه سيكون في دبي وليس في الدوحة.
نظراً لافتقار قطر إلى دوري كرة قدم محلي تنافسي؛ سيتم تفكيك العديد من الملاعب أو تحويلها (لأشياء أخرى). فقد تم إنشاء ملعب “974” -المشتق من رمز الاتصال الدولي القطري- من حاويات الشحن، وسيُفكك بعد أن يستضيف عرض أزياء وحفلات موسيقية.
كما وعدت قطر بمنح الدول النامية حوالي 170 ألف مقعد من الملاعب الأخرى. وستتم إعادة تصميم الملاعب الستة الأخرى لتصبح فنادق أو مراكز تسوق، أو سيتم تقليص حجمها لتصبح مواتية لفرق كرة القدم المحلية، ما سيزيد المعروض في سوق العقارات التي تشهد فائضاً بالفعل.
ويرى روس غريفين، الأستاذ المساعد في “جامعة قطر” أنه “كان من الممكن بناء البنية التحتية، مثل نظام المترو، بغضّ النظر عن استضافة كأس العالم. لكنَّ البطولة ساهمت في وضع موعد نهائي مناسب لإنجاز كل شيء”.