دبي – (مصادر نيوز)
دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، إلى التحرك دولياً بشكل عاجل بعد أسبوع من تفاقم أعمال العنف وإراقة الدماء، و التي نتجت عن ضربات جوية نُفذَّت على منطقتي الغوطة الشرقية وإدلب اللتين تسيطر عليهما المعارضة.
وتلقى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عدداً من التقارير التي تشير إلى مقتل ما لا يقل عن 277 مدنياً بين الرابع والتاسع من شباط/فبراير، من بينهم 230 شخصاً بفعل القصف الجوي الذي نفذته الحكومة السورية وحلفاؤها، بالإضافة إلى جرح 812 مدنياً، ما يرفع العدد الإجمالي لإصابات المدنيين خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر إلى 1089 شخص تقريباً.
وقال المفوض السامي “وثَّق موظفو مكتبي في المنطقة وقوع عشرات الهجمات المحددة والتي أدَّت بحسب التقارير إلى وقوع قتلى وجرحى وتدمير للبنى التحتية الأساسية على مدى الأسبوع الماضي”، موضحاً أن “هذه الحوادث تراوحت ما بين سلسلة متوالية من الضربات الجوية على الأحياء السكنية في دوما في السادس من شباط/فبراير، والتي قتلت وفق التقارير ما لا يقل عن 31 مدنياً، بما في ذلك 12 امرأة وأربعة أطفال وجرحت أكثر من مئة شخص آخرين، من بينهم 37 طفلاً، إلى هجوم في اليوم الذي سبقه على بنك للدم في مدينة سراقب في إدلب، علماً أن ضربة جوية كانت قد تسبَّبت بوضعه خارج الخدمة في كانون الثاني/يناير.
وقال المفوض السامي إن مكتبه قد تلقى تقارير عن شنِّ غارات جوية ألحقت أضراراً بما لا يقل عن تسعة منشآت طبية منفصلة، تراوحت ما بين مشفى حيوي كان لا يزال يقدم خدمات في إدلب ومنشأة للرعاية الصحية العقلية ومستوصف طبي في كفر بطنا في الغوطة الشرقية. كما قُتل وجُرح من يعرفون ̓بالمسعفين الأوائلʻ، من موظفين ومتطوعين مساعدين للأطباء، في عدد من المواقع بعد سلسلة من الضربات الجوية التي استهدفت بشكل متعمد على ما يبدو أماكن كانت قد تعرضت للقصف الجوي في وقت سابق من اليوم.
وفي إدلب، حيث يقيم ما لا يقل عن مليوني مدني، أفادت التقارير أن الهجوم الجوي والبري الذي نفذته الحكومة السورية وحلفاؤها، و الذي أسفر أيضاً عن وقوع إصابات بين المدنيين وعن دمار واسع النطاق، قد أدَّى كذلك إلى تشريد آلاف المدنيين، العديد منهم من تعرض للتشريد سابقاً. وتلقى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عدداً من التقارير، بما في ذلك شريط فيديو مصور، تشير إلى أنه في إحدى الهجمات، التي وقعت بتاريخ الرابع من شباط/فبراير، من المرجح أن يكون قد تمَّ إطلاق مواد سامة عقب ضربات جوية استهدفت حياً سكنياً شرق مدينة سراقب، بالرغم من أن التقارير لم تفد بوقوع قتلى خلال هذا الهجوم.
وتسبَّب التصاعد المؤسف في عدد الغارات الجوية والأرضية المنفذة على الغوطة الشرقية المحاصرة والواقعة في منطقة ريف دمشق، حيث يُعتقد أن حوالى 350 ألف شخص لا يزالون محاصرين، في مقتل ما لا يقل عن 210 مدنياً، أكثر من ربعهم من الأطفال و 42 منهم من النساء، وذلك في الفترة الواقعة خصوصاً بين الخامس والثامن من شباط/فبراير. وتشير التقارير أيضاً إلى جرح ما لا يقل عن 671 مدنياً في الهجمات التي استهدفت الغوطة الشرقية، مع تعرض مدرسة وروضة أطفال لأضرار بالإضافة الى ثلاثة منشآت طبية.
ويستمر إطلاق العديد من الصواريخ وقذائف الهاون من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة باتجاه الأحياء السكنية في العاصمة دمشق والضواحي المحيطة بها حيث تبسط الحكومة نفوذها، في ظل مقتل ما لا يقل عن خمسة مدنيين وجرح 14 آخرين في مواقع عدة بين السادس والثامن من شباط/فبراير، بحسب التقارير.
ولا تزال بعض المناطق الأخرى في سوريا تعاني من آثار أعمال القتال الماضية أو الحالية. ففي منطقة عفرين الواقعة شمال غرب البلاد و التي تسيطر عليها القوات الكردية، يعرِّض الهجوم الذي تقوده تركيا منذ 20 كانون الثاني/يناير عدداً كبيراً من المدنيين للخطر. وأفادت بعض التقارير عن مقتل وجرح عدد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال، نتيجة االضربات الجوية والأرضية. ويبدو أن القوات الكردية قد منعت بعض السكان الراغبين في الهرب من القيام بذلك. وفي شرق البلاد، يتواصل شنُّ الغارات الجوية والأرضية في بعض المناطق التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش، لا سيما في محافظة دير الزور، حيث أفادت بعض التقارير عن وقوع إصابات بين صفوف المدنيين، بالرغم من أن الخطر الأكبر الذي يواجهه المدنيون حالياً في هذه المناطق يتمثل في الأجهزة المتفجرة اليدوية الصنع وغيرها من المتفجرات التي خلَّفتها الحرب. ولا يزال المدنيون المتواجدون في محافظة الرقة أو العائدون إليها يواجهون مصاعب رئيسية حتى بعد طرد تنظيم داعش منها في أواخر العام الماضي، ولا تزال إمكانية تمتعهم بحقوق الإنسان الأساسية مقيدة بشكل كبير نظرا إلى الدمار الواسع النطاق للبيوت والبنى التحتية الأساسية خلال المعارك والكميات الكبيرة من الأجهزة المتفجرة المبعثرة بين الركام.
وقال المفوض السامي “تورطت عدة أطراف في النزاع في سوريا على مدى السنوات السبع الماضية”، مشيراً إلى أن “مختلف الحكومات المعنية صرحت بأنها تلتزم باحترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وصرحت بعض الجماعات المسلحة المعارضة على نحو مماثل بأنها ملتزمة بالقانون الدولي الإنساني، إلا أن الانتهاكات بحق القانون الدولي تستمر يومياً، بالرغم من أنه جرى إنشاء ما يعرف ̓بمناطق تخفيف التوترʻ في عام 2017”.
وإن حالات القتل والمعاملة اللاإنسانية الناجمة عن عدم السماح بتقديم الرعاية إلى المرضى والجرحى وإجلائهم في الغوطة الشرقية؛ وتدمير المنشآت المحمية وغيرها من الممتلكات الأساسية لبقاء السكان المدنيين في إدلب والغوطة الشرقية؛ وقصف المناطق المدنية في إدلب والغوطة الشرقية ومدينة دمشق، قد يشكل ككل، و حسب الظروف القائمة، جرائم حرب.
وقال المفوض السامي “أصبح مصطلح ̓منطقة تخفيف التوترʻ يذكرنا بما يعرف “بالمناطق الآمنة” في البوسنة، والتي ثبتت أنها لم تكن آمنة، تماماً كما جرى تذكيرنا بذلك خلال المحاكمتين الأخيرتين لراتكو ملاديتش ورادوفان كاراديتش”. أضاف “لكن النزاع في البوسنة أوقف من قبل المجتمع الدولي بعد أربع سنوات. أما النزاع في سوريا، فيستمر بمشاركة دول أخرى، في عامه السابع من اراقة الدماء، مع لا نهاية تلوح في الأفق. ومن الواجب معالجة المناخ السائد المتسم بالإفلات من العقاب، وحماية المدنيين. وبعد سبع سنوات من العجز في مجلس الأمن، تستدعي الحالة في سوريا بشكل صارخ إحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية، فضلاً عن بذل الدول المزيد من الجهود لتحقيق السلام. لقد كان القيام بهذه الحرب وإدارتها أمراً مخزياً تماماً منذ البداية، وإن الفشل في إنهائها يدل على فشل ذريع في الدبلوماسية العالمية”.