محمد بن راشد.. 50 عامًا من الإنجازات الاقتصادية وصناعة المستقبل

مقال رأي بقلم:
معالي سلطان بن سعيد المنصوري
وزير الاقتصاد

تمثل القيادة الواعية والحكيمة مفتاح تقدم الأمم ومحرك نموها. ولطالما قدم لنا التاريخ أمثلة على دول نهضت بأقل المقومات وأقسى الظروف بفضل قيادتها الملهمة وعزيمة شعبها.. وفي المقابل تعثرت بلدان كانت تمتلك الكثير من عوامل التقدم والنجاح نتيجة غياب عنصر القيادة القادرة على توظيف تلك العوامل في سبيل ازدهارها ونهضة شعوبها.


هذه الحقيقة تجعلنا نقف فخورين بالقيادة الرشيدة التي حبا الله بها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وإخوانه الحكام، وصولاً إلى يومنا الراهن بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.


ففي ظل هذه القيادة المعطاءة، قدمت دولة الإمارات نموذجاً لم يتكرر كثيراً في تاريخنا المعاصر من خلال الإنجازات التي حققتها في مختلف ميادين التنمية. وإننا اليوم مع ختام “عام زايد”، يحق لنا أن نعتز بمسيرة قائد فذ قدم لدولة الإمارات والعالم بأسره 50 عاماً حافلة بالعطاء والريادة والإنجاز.. فقد جسد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم المعنى الحقيقي للقدوة وأعطى مثالاً حياً على روح القيادة المتبصرة والساعية دوماً وبعزيمة من حديد في سبيل نماء الوطن ورفعة المواطن.


ولعله ليس ثمة أرقى تعبيراً وأصدق كلمةً مما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في هذه المناسبة من أنه “قائد استثنائي يحظى بمحبة شعبه وشعوب العالم واحترامهم”.. وأنه “قائد ملهم نذر نفسه وكرس جهده وأبدع في خدمة وطنه”.. مؤكداً أنه “أثرى فضاء الوطن وامتداده العربي بفكره ورؤاه وإبداعاته ومبادراته المتميزة”.. وواصفاً سموه بأنه “مدرسة في القيادة والإدارة وصناعة الحياة”.


فمن خلال فكر هذا القائد الملهم، لم تعد الإمارات ترضى إلا بالسعي الحثيث نحو الريادة والمركز الأول. ولا شك في أن ما تم تحقيقه في الميدان الاقتصادي يعكس جانباً مهماً من القيادة الفذة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.. حيث رسخ مبدأ التنمية الاقتصادية القائمة على رؤية واضحة، وعزز بتوجيهاته ومبادراته الجهود الوطنية الهادفة إلى تعزيز الريادة في الحاضر واستدامة النمو في المستقبل.


وقد جسدت رؤية الإمارات 2021 تطبيقاً عملياً للنهج التنموي الرائد الذي يتبناه سموه وتتبناه قيادتنا الرشيدة، فمن خلال محددات هذه الرؤية، وضعت الإمارات نصب أعينها بناء اقتصاد تنافسي عالمي متنوع يقوم على المعرفة والابتكار بقيادة كفاءات وطنية. وعملت وزارة الاقتصاد ومختلف شركائها مسترشدة بتوجيهات سموه على صياغة المسارات الصحيحة لتحقيق رؤيتنا الاقتصادية، ومن أبرزها تحفيز بيئة الابتكار والتكنولوجيا والملكية الفكرية؛ وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية الصديقة للأعمال والجاذبة للاستثمار الأجنبي؛ وتنمية التجارة والصادرات الوطنية؛ وتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة؛ وتعزيز دور القطاع الخاص؛ وتشجيع ريادة الأعمال من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ وتنمية رأس المال البشري المواطن.


إلا أن نظرة سموه للتنمية الاقتصادية لا تقف عند هذا الحد، حيث تعكس محاور مئوية الإمارات 2071 نظرته البعيدة في تطوير ممكنات اقتصاد المستقبل عبر تشجيع الصناعات المتقدمة والاستثمار المكثف في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والثورة الصناعية الرابعة، وبناء قطاع خدمي متطور وابتكار نظم عيش ذكية وخدمات تعليمية وصحية واجتماعية رائدة، وتعزيز مكانة الدولة في التجارة الذكية والاقتصاد الرقمي، وتعزيز الابتكار في تقنيات الطاقة المتجددة والمياه والغذاء وترسيخ مبادئ الاستدامة والاقتصاد الأخضر.


ولا شك أن قراءةً في الأرقام والمؤشرات التي حققها اقتصاد دولة الإمارات تعطينا برهاناً ناصعاً على الثمار الإيجابية لرؤية سموه وسلامة النهج الذي تتبعه الدولة في ظل قيادتها الرشيدة. فمنذ أن تولى سموه منصب ولي عهد دبي في عام 1995، وحتى يومنا الحالي، حافظ اقتصادنا الوطني على أدائه الإيجابي المتوازن بمتوسط نمو سنوي بلغ 5%.


ومع تولي سموه منصب نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء في عام 2006، شهدت معدلات التنوع الاقتصادي زيادة كبيرة، حيث بلغت نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي في عام 2006 نحو 62.5%، لتصل في عام 2017 إلى نحو 71%. كما باتت الدولة خلال هذه الفترة مقصداً بارزاً للأنشطة الاقتصادية والعلامات التجارية الرائدة في عدد من القطاعات الحيوية مثل الطيران المدني والخدمات اللوجستية والبنية التحتية والسياحة والضيافة وتجارة الجملة والتجزئة والأنشطة المالية والاقتصاد الإسلامي والعقارات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعات التحويلية المختلفة.


وخلال الفترة نفسها 2006-2017، عززت دولة الإمارات مكانتها كأحد أهم المراكز التجارية عالمياً، حيث حقق إجمالي حجم التجارة الخارجية غير النفطية للدولة نمواً بمتوسط بلغ 15% خلال هذه الفترة، وفي جانب الصادرات غير النفطية بلغ معدل النمو خلال هذه الفترة نحو 26%، مقابل 16% لإعادة التصدير، و14% للواردات.


وتحتل الإمارات المركز الأول عربياً وإقليمياً في صادرات وواردات السلع والخدمات، فيما جاءت في المرتبة 15 عالمياً في الصادرات السلعية و18 عالمياً في الواردات السلعية، والمرتبة 21 عالمياً في صادرات الخدمات و17 عالمياً في واردات الخدمات، وفقاً لإحصاءات منظمة التجارة العالمية لعام 2017، كما حلت في المركز الثالث عالمياً في إعادة التصدير، مستحوذة على نحو 13 % من إجمالي إعادة تصدير العالم خلال 2017.


وعلى الجانب الاستثماري خلال الفترة نفسها من عام 2006 حتى 2017، مثلت رؤية وتوجيهات سموه حافزاً للجهود الرامية إلى زيادة الجاذبية الاستثمارية للدولة، حيث تضاعف رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الدولة بأكثر من 3 أضعاف ليصل في عام 2017 إلى أكثر من 477 مليار درهم، فيما سجلت التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة نفسها متوسط نمو سنوي كبيراً بلغ نحو 49%. وتتبوأ الدولة اليوم المركز الأول عربياً و30 عالمياً من حيث جاذبيتها للاستثمار الأجنبي المباشر. كما تضاعف رصيد الاستثمارات الإماراتية في الخارج بمقدار 6 أضعاف.


ولعل المؤشرات لا تكاد تنحصر على تميز النهضة الاقتصادية التي حققتها دولة الإمارات في ظل قيادتها الرشيدة، وفي ظل الفكر الطليعي الرائد لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.. ولكن يكفينا فخراً أن تلك الإمارات السبع الصغيرة على الساحل المتصالح قبل 50 عاماً – عندما تولى سموه أول مسؤولية في خدمة هذه الأرض الطيبة كقائد لشرطة دبي – وبعد أن اتحدت ونهضت من صحرائها لتسطر ملحمة غير مسبوقة من التنمية والتطوير والريادة، تعد العدة اليوم لاستكشاف الفضاء وبناء مستوطنات بشرية على المريخ.


إنها 50 عاماً من الأمل وصناعة الإنسان وبناء المستقبل.. وإنه لأقل الواجب في هذه المناسبة الطيبة أن نقول بكل اعتزاز #شكراًمحمدبنراشد على #50عاماً_للوطن.