الدكتورة مناهل ثابت تكتب: مشاركة المعرفة

د. مناهل ثابت

بقلم – د. مناهل ثابت

كانت مشاركة المعرفة في عصور ما قبل المطابع مرهونة بذوي القدرة على السفر والتنقل إلى أماكن وجود تلك المعرفة وكانت مركزية المعرفة في تلك العصور تتمثل في امتلاك أشخاص بحد ذاتهم لهذه المعرفة وهم قلة ولمشاركة ما يملكونه من معرفة كان لا بد على طالب العلم والمعرفة ان يسافر إليهم ويتحمل المشقات والعناء في الانتقال والعيش حيث يتواجدون لحضور مجالسهم وتلقي المعرفة من افواههم إملاءً ويستمر ذلك لسنوات قبل أن يصبح طالب العلم ملما بكل ما يمكن اكتسابه من معرفة في ذلك الفرع من العلم قبل ان ينتقل إلى مركز آخر للمعرفة في مكان آخر لتلقي العلم والإلمام به في فرع آخر من هذا التخصص الذي يريد أن يصبح عالما فيه وهكذا حتى يحصل على إجازة كاملة في تلك الفروع قبل أن يعود إلى وطنه ليشكل مركزية معرفية يهاجر إليها طلاب العلم لمشاركة تلك المعرفة.


وقد ظلت المعرفة طيلة عقود كثيرة من الزمن ذات طابع مركزي صعب، وقد ورثت تلك المركزية للمعرفة التخلف والمعاناة لدى الشعوب، وقد خفف اكتشاف وسائل نشر المعرفة كثيرا من سخائم ذلك التخلف وتلك المعاناة، ومن ذلك الآلات الكاتبة ومكائن الطباعة، ثم ازدهرت مفاهيم مشاركة المعرفة أكثر مع اكتشاف الحواسيب وتطور وانتشار تكنولوجيا الطباعة وازدهار مجال النشر والتوزيع واتساع رقعة مراكز الدراسات والأبحاث والترجمة وهكذا حتى تم القضاء على مركزية المعرفة واحتكارها تماما بتطور التكنولوجيا وعوالم الانترنت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وبشكل يثبت تلك المقولة القديمة التي كانت تؤكد دائما أن المعرفة إنسانية لكن الممارسة الفعلية كانت دائما في ظل غياب التطور التكنولوجيا ووسائل اليوم تمنعها عن التحقق على الواقع.


وكنتيجة طبيعية لكل ما مرت به المعرفة وأمر مشاركتها من مراحل وأطوار طيلة عصور من الزمن فقد شكلت مبحثا من مباحث عصر المعرفة تفرض التباحث فيه وتفتح باب النقاش فيه الأهمية الكبيرة التي وصلت إليها المعرفة في هذا العصر خصوصا وإن إدارة المعرفة يولي موضوع مشاركة المعرفة الكثير من الأهمية بل ويعول عليه في عملية تطوير المؤسسات والتنظيمات والشركات التي تنتهج المعرفة كاقتصاد ومورد لها.


أما شكل اليوم للمعرفة الذي يعيشه ويمارسه معظم الناس والذي يمكن من خلاله وضع تعريف يوضح مفهوم مشاركة المعرفة فيمكن القول من خلاله بأن مشاركة المعرفة هي نشاط يتم تبادله بين الناس والأصدقاء والأسر والمجتمعات (مثل الويكيبيديا) أو المنظمات من خلال المعرفة (أي المعلومات والمهارات والخبرات).


وقد اعترفت المنظمات أن المعرفة تشكل موجودات قيمه غير ملموسة لخلق المزايا التنافسية وحفظها. ويتم دعم أنشطة مشاركة المعرفة عموما عن طريق نظم إدارة المعرفة. ومع ذلك، تشكل التكنولوجيا واحدة فقط من العديد من العوامل المؤثرة على مشاركة المعرفة في المنظمات مثل الثقافة التنظيمية والثقة والحوافز. ونظم تكنولوجيا المعلومات هي أدوات مشتركة تساعد على تسهيل إدارة المعرفة ومشاركتها. فالدور الرئيسي لأنظمة تكنولوجيا المعلومات هي مساعدة الناس على تشارك المعرفة من خلال منصات مشتركة وتخزين الكتروني لمساعدة الوصول ببساطة وتشجيع إعادة الاستخدام الاقتصادي للمعرفة. توفر نظم تكنولوجيا المعلومات التصنيف وإضفاء الطابع الشخصي والمستودعات الإلكترونية للمعلومات ويمكن أن تساعد الناس لتحديد موقع بعضها البعض للتواصل مباشرة. يمكن ان تسهل نظم تكنولوجيا المعلومات للمنظمات اكتساب المعرفة وتخزينها أو نشر المعرفة مع التدريب والتعليم المناسب.


وتشكل مشاركة المعرفة تحدياً كبيراً في مجال إدارة المعرفة لأنه يميل بعض الموظفين إلى مقاومة مشاركة معارفهم مع بقية أعضاء المنظمة وهذا مما يمكن اعتباره تحديا وفارقا جوهريا بين النموذج القديم لتلقي المعرفة واكتسابها ثم مشاركتها رغم المركزية التي كانت موضع صعوبة نتيجة لغياب وسائل اليوم وأدوات التكنولوجيا المتطورة وبين  نموذج اليوم الذي بدوره ألغى سلبية المركزية لكن قضية الربحيات والتنافس أكسبته سلبية الاحتكار وهي سلبية اكبر من سلبية المركزية التي كانت صفة قديمة ملازمة للمعرفة ومشاركتها لكن غياب احتكار مشاركة المعرفة في عصور المركزية المعرفية كان مبررا بعدم وجود سوق يفرض التنافس والبحث عن الربح.

ويتجلى هذا كأهم تحدٍ يمكن ان نجده في مشاركة المعرفة تتضح قسماته في مجال إدارة المعرفة فيميل بعض الموظفين لمقاومة انتقال المعرفة بسبب فكرة أن المعرفة هي ممتلكات أي مُلكية وبالتالي فهي مهمة جداً ومن أجل مواجهة ذلك فلابد من طمأنة الأفراد بأنهم سوف يحصلون على نوع من الحوافز لتأليفهم. ومع ذلك أظهر بعض المتخصصين أنه عادة ما يتم مكافأة الأفراد الأكثر معرفة وليس الأكثر مشاركة. وتحدث عواقب سلبية عند منع مشاركة المعرفة مثل العزلة ومقاومة الأفكار. فينبغي لكيان الثقافة التنظيمية أن تشجع الاكتشاف والابتكار لتعزيز مشاركة المعرفة وإزالة عقباتها.


ونتيجة لهذا التحدي ورغبة في تجاوزه نجد كثيرا من المدن الاقتصادية ومركز تطوير الأعمال تعتمد على الكوادر والكفاءات الأجنبية التي تستقدمها من أجل ما تمتلكه من معرفة تساهم في تطوير الأعمال أولا ثم من اجل مشاركة تلك المعرفة مع الموظفين من السكان الأصليين لتلك المدن والذين يتم تعيينهم لتلك المهمة أي لمشاركة المعرفة مع تلك الكفاءات المستقدمة من دول أخرى ويتم ذلك عادة في شكل مجموعات تعمل معا لفترات زمنية قد تطول تقودها في العمل معرفة تلك الكفاءات.


وثمة أشكال لمشاركة المعرفة تم التعارف عليها ووضع أسسها بعد تطور مجال إدارة المعرفة وأما الشكل الأول فهو مشاركة المعرفة الصريحة وهي لا تختلف عن الشكل القديم المتعارف عليه في مشاركة المعرفة والتي تتم عادة من خلال مجموعة من المعايير يضمن استيفائها النجاح الكامل والمعيار الأول منها هو التعبير فيتم من خلاله وصف المعلومات من قبل مالك المعرفة ومزودها ثم معيار التوعية التي تفيد المتلقي بوفرة المعرفة وإتاحتها ثم معيار الوصول الذي يقتضي تمكن المتلقي من الوصول إلى مالك المعرفة ومزودها ثم معيار التوجيه الذي يفرض وجوب معرفة مجموعة المعارف وتبينها في مواضيع أو مجالات مختلفة وذلك لتجنب الكم الهائل من المعلومات وتسهيل الوصول إلى المواد المناسبة. وغالبا ما يعتبر مديري المعرفة هم الشخصيات الرئيسية في إنشاء نظام فعال لمشاركة المعرفة.

وأخيرا معيار الاكتمال حيث يدار اسلوب مشاركة المعرفة بشمولية في شكل كلا من المعرفة الذاتية المنشورة.
الشكل الآخر هو مشاركة المعرفة الضمنية وتحدث من خلال أنواع مختلفة من التثقيف الاجتماعي على الرغم من صعوبة تحديد المعرفة الضمنية وجمعها. وثمة عوامل مؤثرة مرتبطة بمشاركة المعرفة الضمنية منها الشبكات غير الرسمية مثل التفاعلات اليومية بين الناس في البيئة المحددة (العمل والمدرسة والمنزل وما إلى ذلك) فتمتد شبكات التسلسل الهرمي والوظائف. ومنها توفير مساحة يستطيع فيها الأشخاص من الدخول في المناقشات غير المنظمة أو غير خاضعة للرقابة وبالتالي تعزز الشبكات غير الرسمية. ومنها ممارسة العمل الغير منظم أو التجريبي الذي يشجع على إيجاد الحلول للمشكلات، وتطوير الشبكات الاجتماعية.


الشكل الثالث هو مشاركة المعرفة المضمنّة والتي تحدث عندما يتم تشارك المعرفة من خلال المنتجات والعمليات والروتينيات المحددة بوضوح، ويمكن ان تكون هذه المعرفة مشتركة بطرق مختلفة منها تخطيط السيناريو وعملية استخلاص المعلومات، من خلال توفير مساحة منظمة لتأليف السيناريوهات المحتملة، وتليها مناقشة ما حدث وكيف يصبح مختلفاً. ومنها التدريب على الإدارة.


كما يحدث نقل المعرفة من خلال ضمّ الأنظمة والعمليات والروتينيات بتأن لدمج المعرفة ذات الصلة وتشاركها.
والخلاصة التي يمكن الوصول إليها في قضية مشاركة المعرفة هي أن أهمية مشاركة المعرفة داخل المنظمات تكمن في أن المعرفة تشكل قيما للأصول غير الملموسة لخلق المزايا التنافسية ودعمها داخل المنظمات. وهناك عدة عوامل مؤثرة على مشاركة المعرفة في المنظمات مثل الثقافة التنظيمية، والثقة، والحوافز، والتكنولوجيا. وعادة ما تعتمد أنشطة مشاركة المعرفة على نظم إدارة المعرفة وهو شكل من تكنولوجيا المعلومات والتي تسهل المعلومات وتنظمها داخل الشركة أو المؤسسة.